ماذا تصنع عندما تعلم أن أمامك ستة أشهر فقط قبل الموت؟ موقف صعب حقاً! ربما سيتملك اليأس معظمنا في وضع كهذا، لكن هناك مَن سيستغل هذه الأشهر ليعطي، أخيراً، معنى لوجوده. ولكن هذا المعنى قد يختلف من شخص لآخر، تبعا لفلسفة كل منا، وفكرته عن الحياة والموت، أو الدنيا والآخرة.
في فيلم the bucket list "قبل أن أموت" هناك لقاء بين فلسفتين: الفلسفة المثالية الروحية، والفلسفة الواقعية العملية، وهو اللقاء الذي أعطى الفيلم معظم حيويته وقوته وتأثيره.
كارتر (مورغان فريمان) رجل ميكانيكي، كان يحلم بأن يصبح مدرساً للتاريخ. لديه اطلاع واسع حول الفلسفات القديمة، وقد تركت طابعها الروحي على تفكيره.
أما إدوارد كول (جاك نيكلسون) فهو رجل أعمال ناجح، بنى نفسه بنفسه، فهو إذن مثال الرجل الواقعي العملي، الذي لا يعرف المتعة واللذة خارج حدود الحواس.
يلتقيان في غرفة في المستشفى الذي يمتلكه كول، بعد أن تم تشخيص كل منهما بالسرطان. يقضي كارتر معظم وقته بالقراءة، وكتابة بعض الملاحظات، واستقبال زوجته التي تداوم على زيارته. أما كول فلا أحد يزوره سوى مساعده في العمل، ونشاهده إما يأكل أو يتحدث الى طبيبه أو مع كارتر أحياناً.
ثم تظهر نتيجة فحوصات كل منهما، وهي أن أمامهما ستة أشهر فقط، أو سنة، على سبيل المعجزة، قبل أن يرحلا عن الحياة. وهنا نعرف بعض ما كان يكتبه كارتر، وهي قائمة بالأشياء التي تود فعلها قبل الموت. هنا حوار معبر بين كارتر، الذي يطل علينا أيضاً كراوٍ، و بين نفسه، يقول إن ٩٦٪ من الناس يفضلون عدم معرفة متى يموتون، وأنه هو كان من ضمن الـ ٤٪ الذي يفضلون معرفة ذلك، فهذا أمر مريح كما كان يعتقد. أما الآن فقد اكتشف أنه مخطئ. فيمزق الورقة ويلقيها في الأرض وينام. وفي الصباح يلتقط كول الورقة ويقرأها فتبدو له أمراً مثيراً! وعندما يستيقظ كارتر يرى كول يقرأ في ورقته فينزعج، ولكنه يهدأ بعد أن يخبره أنه وجدها ملقاة ولم يقصد إزعاجه بقراءتها من ورائه. ويدور بينهما حوار يقربنا كثيراً من فلسفة كل منهما. بالنسبة إلى كارتر لم تكن هذه الطريقة (والتي تعلمها من أستاذه في الفلسفة) سوى تمرين عقلي. طريقة لبعث الأمل والنشوة في الروح، وأيضاً لإيجاد المعنى. ولكن كول لا يقتنع بهذا، ويفضل أن يقوما فعلاً بتلك الأشياء التي في القائمة، بعد إجراء بعض التعديلات عليها كما يراها! فبالنسبة إليه لا شيء يفوق تجربة المرح الحقيقي، والسعادة التي تأتي، لا من التفكير بالأشياء الجميلة، وإنما بفعلها.
هكذا يقرران أن يجربا القفز بالمظلة من طائرة، والتجوال في الهند، والمشي فوق سور الصين العظيم، ومشاهدة الأهرامات والجلوس على قمة أحدها لمشاهدة شيء عظيم حقاً.
إلى هنا يبدو تأثير كول في كارتر أكبر، فقد أخرجه من التفكير بالجمال إلى الجمال الواقعي، ومن التأمل بالسعادة إلى السعادة الواقعية. ولكن كول لم يقتنع بعد بجدوى تلك السعادة التي يبثها الإيمان، ولا تلك التي تشعرنا بها مساعدتنا للآخرين وإسعادهم. فقد علم كارتر أن لكول بنتاً لم يلتقِ بها منذ سنوات، وقد حاول إقناعه بالذهاب لها فرفض، معتبراً ذلك عاراً عليه هو رجل الأعمال الذي يتملقه الجميع!
تتدهور حالة كارتر، ومع ذلك فهو يلقي دعابة على صديقه وهو على سرير الموت تجعلهما يضحكان حتى البكاء، وهكذا يكونان قد أتما أحد بنود القائمة: "أن أضحك حتى البكاء". ولكن بقي هناك بند واحد: "أن أقبل أجمل فتاة في العالم" وهذا البند على كول أن يقوم بها وحده فقد مات صديقه. وهذه الفتاة كانت هي حفيدته، فهو قد قرر أخيراً أن يزور ابنته الوحيدة.
(مات إدوارد كول في شهر مايو/أيار… كان عصر يوم أحد… ولم تكن هناك ولا سحابة في السماء… كان عمره إحدى وثمانين سنة. حتى الآن لا يمكنني أن أدعي أنني فهمت مقاييس الحياة. ولكن يمكنني أن أخبركم بهذا: أعلم أنه حين مات كانت عيناه مغلقتين، بينما قلبه كان مفتوحاً).
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.