الشباب العربي والواقع المرير الذي يعيشه!

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/10 الساعة 07:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/10 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش

واقع مرير ذلك الذي يعيشه الشباب في كثير من المجتمعات العربية؛ حيث يكبر شبابنا العربي وهو يخوض صراعاً صعباً بين أحلامه وبين الواقع، يريد أن يصنع شيئاً يغيّر فيه وجه العالم، يريد أن يبدع ويتميز ويعيد أمجاد أجداده، ولكنه يرى نفسه محاطاً في صراعٍ أصعب بين أن يجد لقمة عيشه ومنزلاً يؤويه هو وأحلامه، أو بين أن يركز على نقاط قوته وإبداعه ويعلم نفسه ويغذي عقله.

 نعم في بلداننا العربية؛ حيث يعيش شبابنا العربي اليوم بشكل عام ظروفاً قاسيةً ومتفاوتة في جميع المجالات، وعلى كافة الأصعدة، وهو يتابع تلك الصراعات الدائرة في كافة جنبات الوطن الفكرية، وهو بعد لم يتسلح بمنطق يهديه، أو خبرة تعصمه، ليس ذلك على الجانب الفكري فقط، وإنما هي توترات دينية، واقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وحروب أهلية، وما تحمله من ملوثات على فكر وثقافة المجتمع، هذا ما دفع الكثير من الشباب العربي إلى طريق الهجرة بعيداً عن أوطانهم بحثاً عن مجتمع يؤمن بشباب ويدعمهم ويستثمر قدراتهم وينمّي مواهبهم ويطور إبداعهم هاجرين خلفهم أوطانهم التي لا تهتم لهم ولا تسمع منهم ولا تطورهم أو تدربهم ولا تبحث عن المبدعين بينهم.

 شبابنا العربي الذي أشرقت شمسه ولمع قمره في سماء الغربة؛ حيث كانت سماء وطنه سوداء لا يلمع فيها إلا الدم والتفرقة والفساد بكل أشكاله.. أخبارهم تعم كل مكان! نعم هم شبابنا الذين يبدعون في مجالات العلوم والاختراعات والرياضة والفنون وكل ما عجزوا عن فعله في أوطانهم، نعم هؤلاء هم شبابنا حصون الدفاع عن الأمة، وضمان استمرارها مواكبة للتطور والتغير، كما أنهم أساس استمرار التجدد الخلاق لمجتمعاتهم.

 إن مستقبل الأمم مرهون بطاقات عناصرها الفتية، ولهذا كانت أهمية الشباب، وضرورة العناية بهم عند الأمم التي تستشرف المستقبل، وتعمل على حجز مقاعد الصدارة لهم فيه، فنراهم يطلقون في سبيل تحقيق ذلك يد الباحثين والمفكرين في دراسة أهمية الشباب ودورهم في الحياة الاجتماعية، والبحث والتحليل لهذه الفئة بأبعادها الاجتماعية والنفسية والسياسية، ولا سيما في النصف الثاني من القرن المنصرم، كما بدأت مؤسسات ومنظمات دولية تولي المسألة الشبابية أهمية خاصة؛ إذ نظمت المؤتمرات والندوات والبحوث الميدانية، من أجل تحديد احتياجات هذه الشريحة الاجتماعية، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات الشبابية، والتي أسهم في زيادة حدتها وتنوعها عصر التغيرات المتسارعة الذي زاد الفجوات الحضارية اتساعاً بين الدول المتقدمة وتلك التي هي في طور النمو.

 لا سيما في المجتمعات النامية، تحتاج تلك الأمم إلى الشباب أيما احتياج في متابعة عمليتَي التحديث والتطوير اللازمتين لتحقيق النهضة ومواكبة متغيرات كل عصر، خصوصاً في زماننا هذا الذي يتخذ التغيير فيه مسارات حادة، ويحتوي على طفرات نوعية تتخلل فترة حياة الجيل الواحد، ومن ثم تنشأ إشكالية التوفيق بين الأصالة والتحديث، أو بين منظومة القيم والعقائد والأعراف السائدة وبين سيل التغيير الجارف والضروري لتحقيق تلك النهضة.

 إن الاختلاف بين الدول العربية والغربية ليس بكثير فقط إن الغرب آمنوا بأن الثروة الأكبر لهم في أوطانهم هي الشعوب، خاصة الشباب، فوقفوا خلفهم ودعموهم ووفّروا لهم كل شيء؛ لكي ينجحوا ويبدعوا ويطوروا أممهم وليكونوا أقوياء ليقفوا مجدداً بعد كل محاولة فاشلة، وليكونوا القوة الأساسية القادرة على قيادة المجتمع والدولة على المستوى السياسي والمدني، وليكونوا خير جيل قادر على بناء المجتمع ويتحمل مسؤولية توفير حياة كريمة للجميع، عكس عالمنا العربي الذي أمضى سنوات طويلة وهو يستنزف شبابه في حروب ومواجهات وصراعات لم يدفع أحد ثمنها إلا الشباب والمجتمع.

 إن مرحلة الشباب هي معيار حيوية الأمم، التي تعد أساس التجديد والتطوير والتغيير، فلا بد أن يضطلع الشباب بمسؤوليتهم الكاملة، وهي تحقيق اكتمال النضج الاجتماعي والوعي به، وتحقيق أعلى قدر ممكن من الهمة/الإرادة اللازمة لضبط تلك المجتمعات على طريق الازدهار والتقدم، وينبغي، بل يجب، اعتبار هذا أولى أولويات النظم السياسية والثقافة المجتمعية، والعمل العام، لدرجة تصل أن نعتبره كواجب وطني، وأمن قومي.

 إننا نحتاج الشباب؛ لأنهم حصون الدفاع عن الأمة، وضمان استمرارها مواكبة للتطور والتغير، كما أنهم أساس استمرار التجدد الخلاق.

 إن المشاركة السياسية والمجتمعية الحقيقية، ذات الطابع التطوعي والخدمي، الضمان الأمثل لتحقيق النضج الاجتماعي القويم لدى الشباب، وهو الذي يحفظ حيوية الأمم والمجتمعات، بالإضافة إلى سلامة أفراد المجتمع، وحمايتهم من التطرف والتعصب والانحراف.

 إن إبعاد الشباب عن المشاركة الفعالة والحقيقية في المجتمع إنما ينشأ عن انحراف حاد في المجتمع، ويؤدي إلى انحراف هؤلاء الشباب بتغييبهم عن قضايا الأمة، وهو ما يؤدي إلى الإفراط في الانتماء إلى الأنا، وهو التطرف والتعصب والتشدد، أو التفريط فيه، وهو الانحلال والانهزامية والانهيار الأخلاقي.

 لا يمكن التغافل عن مخاطر ذلك الإبعاد والتغييب لدور الشباب، وما ينشأ عنه من انحراف؛ إذ إن ثمرته لا تكون إلا التهديد بتصدع المجتمعات، وترهل الأمم، وتفسخها، ومن ثم انحلالها وزوالها؛ لذا فإنه لا بديل حقيقياً عند المجتمعات التي تريد النهضة من اعتبار الشباب حجر الزاوية في تشييد آلة التغيير، ودفع عجلة النهضة الشاملة.

 ألم يحِن الأوان لكي يُعطى الشباب العربي حقه والفرصة في وطنه؟

 ألم يحِن الأوان لكي يعطى الشباب العربي حقه في القيادات السياسية والاجتماعية والمدنية، وأن يحصل على اهتمام لينمي مجالات الإبداع في داخله؟

 ألم يحِن الأوان لإعداد جيل يمكن أن يكون أملاً لنا لننهض من جديد، وعودتنا لنتصدر دول العالم بالتطور والإبداع؟

 إن الشباب هم حجر الأساس في إعداد آلة مجتمعية قابلة للتغيير ومعالجة متغيرات الواقع؛ إذ هم طاقة التغيير الحقيقي، والساعون بطبيعة ثوريتهم الشابة إلى البحث عن البدائل والمستجدات، ومن ثَم فإن المجتمعات التي لا تبادر إلى تمكين الشباب من ريادة عملية التغيير، وقيادة زمامها الجامح، هي مجتمعات تسعى بكل قوتها نحو الاضطراب الفكري والعلمي والنفسي والثقافي والعملي والنهضوي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إيهاب بدوي
باحث سوري
تحميل المزيد