عن رائحة فم سكارليت جوهانسن وما فعله بنا تقديس المشاهير

عدد القراءات
51,153
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/04 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/11 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش

بالتأكيد على المستوى الواعي لو تم سؤالك بشكل مباشر، ستعرف مثلاً إنه بالتأكيد سكارليت جوهانسن تستيقظ صباحاً ورائحة فمها كريهة ومنفرة مثلها مثل باقي البشر العاديين..

وأن سياسياً قوياً مخضرماً ومعروفاً جداً، يمكنه أن يبكي بمنتهى الضعف والاستكانة بين يدي عاهرة.

وإن فلان الفلاني الشيخ المشهور له شهوات ونزعات ويمكن أن يُخطئ مثله مثل الباقين..

وأن لاعب الكرة الأشهر والأعلى دخلاً يعاني من تبول لا إرادي.

وأن الممثل الكوميدي الشهير يمكن أن ينتحر من الاكتئاب..

وأن الدكتور الفاضل المهرول لمساعدة الناس يمكن أن نكتشف أنه تاجر أعضاء بشرية مثلاً..

وأن فلانة المستشارة الزوجية والأسرية تطلقت من زوجها وتعيش لدى أهلها وابنها الكبير يُدمن على المخدرات وتنام هي باكيةً كل يوم..

وأن جارتك "أم محمود" التي تُذكرك بجدتك الطيبة رحمة الله عليها،

امرأة تكيد وتتخابث حتى تؤذي زوجة ابنها عن عمد لأنه تشعر بالغيرة منها منها.. إلخ.

لكن بصورة تلقائية لا واعية عندما يُذكر أمامك اسم أحد من هؤلاء الأشخاص، أو آخرين تتعامل معهم، يتكون لديك – عادة – انطباع افتراضي عن هذا الشخص في خلفية ذهنك:

 – سكارليت جوهانسن المثيرة الجذابة دائماً.

– السياسي القوي الذي لا يضعف أبداً.

– لاعب الكرة وصل لأقصى درجات السعادة في الدنيا وامتلك كل شيء.

– الممثل الكوميدي الذي بالتأكيد لم يحزن أو يبكي من قبل بسبب أشياء مشاكل في حياته.

– الشيخ الفلاني الذي  قارب منزلة الأنبياء في الورع آناء الليل وأطراف النهار.

– المستشارة الزوجية بالتأكيد حياتها قطعة من نعيم الجنان وزوجها يُدللها ويُطعمها في فمها الـ3 وجبات وبيتهم مليء بالورود وأطفال كالملائكة الصغار.

– أم محمود المرأة الطيبة التي من المستحيل أن تُخطئ هذه الأخطاء أبداً.

وهكذا..

طبعاً التفسيرات لهذه الظاهرة كثيرة وأشهرها الـhalo effect..

لكن التفسير ليس هو موضوعي اليوم..

موضوعي اليوم هو التأثير الذي ينتج عن هذه الظاهرة..

النظرة الأحادية للأشخاص واختزال إنسان في صفة أو جانب واحد من حياته وحصر تجربته البشرية في صورة مفردة من الصور أياً كانت، شيء سيئ جداً في رأيي..

لماذا؟

1- لأنه وبكل بساطة هذا أمر غير صحيح أبداً، فضلاً عن أنه ليس منطقياً أصلاً.. فالإنسان أعقد بكثير من صفة أو صفتين.

2- لأنه يُزرع داخلك نوع من الجمود الفكري، وقد يضفي أيضاً قدسية لا شعورية ظالمة على شخص بشري عادي له أخطاؤه مثل أخطائنا جميعاً.

3- القدسية الظالمة هذه يمكن أن تجعلك تسمع لكلام هذا الشخص بدون إعادة تفكير وشك.. والشك هنا مهم جداً حتى لا يسرق دماغك ويستولى على حريتك الفكرية في اتخاذ قراراتك حتى ولو بتوجيه من بعيد.

4- لأنه – وهذا الأمر الأخطر من وجهة نظري – بيضرك كثيراً من غير ما تشعر ويجعلك دائماً في ضغط التطلع للأعلى.. فعندما ترى إنساناً معيناً كرمز للدين مثلاً ولا يُخطئ، طبيعي أن تطمح لأن تكون مثله.. وهذا شيء رائع وكلنا نتمناه.. لكن في طريقك لهذا الطموح يمكن أن تقع.. وتقع كثيراً جداً.. وقد يتسبب  هذا في ضغط نفسي وجلد ذات أعلى من الطبيعي، وتصبح نهايته في بعض الحالات الكفران بكل ما هو مقدس وصحيح والتطرف للناحية المضادة كالإلحاد مثلاً.

5- لأنه يرفع جداً توقعاتك عن الآخرين.. مثال: تخيل شاب يحب بنتاً مثلاً ويراها من نظرة أحادية أنها ملاك يمشي على الأرض ولو مسك بيدها تتكسر من فرط الرقة.. وبعدها يراها مثلاً وهي في نزاع ومشادة على "توكة الشعر" أو طرحة مثلاً مع أختها.. هل تخيلتم صدمته كيف ستكون؟ في هذه الحالة من يكون المخطئ؟ الفتاة التي تمارس بشكل طبيعي تجربتها البشرية بكل ما فيها من جمال وقبح؟ أم الشاب الذي حصرها في جانب ضيق من الممارسات البشرية؟.. وقس على هذا باقي الأمور والتوقعات التي نحملها للآخرين وبعدها نُصدم فيهم ونبكي ونصرخ و"نولول"..!

كما أنت شخص تتعايش مع نفسك وتعيش تجربتك كاملة بكل تساميها وانحطاطها وكل ملائكيتها وشياطينها وكل عذابها ومرها، تأكد أن الناس جميعاً مثلك تماماً.. حاول أن تكون نظرتك للآخرين شمولية بقدر الإمكان وأعطهم مساحة القبح والجمال، الاثنين معاً، حتى لا تظلمهم وتظلم نفسك معهم.. شكراً.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد فايق
كاتب وأخصائي علم نفس
محمد فايق صيدلي خريج جامعة حلوان عام 2000، ثم قام بدراسة علم النفس وحصل فيه على درجة الماجيستير سنة 2016 من جامعة كاليفورنيا الجنوبية. عضو في الاتحاد الدولي للمدربين وعضو في الجمعية الأمريكية للمعالجين النفسيين (APA)
تحميل المزيد