عرف زيدان بالعاصفة القادمة في ريال مدريد فرحل سريعاً.. ما الذي يحدث في ريال مدريد؟

عدد القراءات
83,811
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/01 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/03 الساعة 07:52 بتوقيت غرينتش

قال زين الدين زيدان: "قد تبدو تلك لحظةً غريبة، لكنَّها اللحظة المناسبة". وهكذا، وبعد 878 يوماً منذ تولِّي المسؤولية كمديرٍ فني، وبعد خمسة أيام فقط من قيادة لاعبيه للفوز بالكأس الأوروبية من جديد، رحل زيدان عن فريق ريال مدريد. وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه قراره، كان رئيس النادي فلورنتينو بيريز يجلس بجواره مرتدياً بدلة قاتمة وتعلو وجهة نظرة أكثر قتامة، وسُئِل زيدان مراراً حول ما إن كان يمكن للأمور أن تصبح مختلفة.  

في الغالب أجاب بـ"لا"، وأصرَّ الرئيس هو الآخر على أنَّه لا فائدة من محاولة تغيير رأيه. لكن في نهاية المطاف، سُئِل الفرنسي حول ما إذا كان ينوي البقاء في حال كان ريال مدريد خسر نهائي دوري الأبطال في كييف بدلاً من الفوز به، وهذه المرة ابتسم زيدان.

قال: "لا أدري". مضيفاً: "ربما"، وأتبع ذلك بصمتٍ وابتسم. ثُمَّ وقف، وصافح الرئيس، وخرج من الباب في جانب غرفة المؤتمر الصحفي بساحة تدريب فالديبيباس. قضى زيدان وقتاً طويلاً هناك خلال آخر عامين ونصف، وكان أنيقاً تماماً مثلما كان وهو لاعب، وكان هناك أمرٌ ما في تلك الابتسامة –المألوفة والآسرة- وكذلك في رده.

قال بيريز إنَّ رحيل زيدان "غير متوقع تماماً"، لكن في حين قد يبدو ذلك غريباً، فإنَّ الانتصار على فريق ليفربول جعل تلك المغادرة أسهل؛ إذ ساعد الانتصار على جعلها تحدث بالشكل الصحيح. وعلَّق ألفارو أربيلوا: "من الصعب بمكان قول وداعاً لمدريد. لكنَّ أحداً لم يفعلها أفضل (من زيدان)".

إن كان السؤال هو لماذا رحل زيدان، فإنَّ الإجابة جزئياً، وببساطة، هي أنَّه غادر لأنَّه يستطيع المغادرة. فبهذه الطريقة كان القرار قراره؛ وكان بإمكانه التحكم في اللحظة، والطريقة التي تَحدُث بها، والشعور الموجود أثناء رحيله. لقد رحل بشروطه وهو على القمة. تذكَّروني على هذه الشاكلة؛ كبطلٍ لأوروبا وهو على رأس الإدارة الفنية، تماماً مثلما كان أثناء فترة لعبه، وتماماً مثلما كان حين عمل مساعداً لكارلو أنشيلوتي. لم يخسر زيدان كمديرٍ فني دوري أبطال أوروبا قط.

وقال سيرجيو راموس: "أنت راحل، لكنَّ إرثك لن يُمحى أبداً". حين تولى زيدان المسؤولية، سُئِل حول ما الذي يُمثِّل النجاح. فأجاب: "الفوز بكل شيء". وبعد الحصول على ما مجموعه 9 ألقاب، بمتوسط لقبٍ كل 16 مباراة، أصبحت هذه هي الفترة الأكثر نجاحاً في تاريخ ريال مدريد الحديث. لم يضاهِ أي مدير فني آخر هذا، وحتى في ريال مدريد لم يفز أي مدير فني بثلاثة كؤوس دوري أبطال أوروبا. لا يوجد ما هو أفضل من هذا.

كان زيدان يعلم أنَّ الأمور قد تصبح أسوأ، أسوأ بكثير. وخشي أن تصبح الأمور كذلك، وهو لا يحب الخسارة. ويدرك أنَّه من الرائع أن تكون وصلت إلى هذه النقطة، ووصلت بهذا القبول والإعجاب العالمي الذي يحظى به. فقليلون فقط من المديرين الفنيين لريال مدريد كانوا محبوبين بنفس القدر عند رحيلهم.

دوماً ما خبَّأت الأناقة والحياء والكياسة والنجاح الذي يبدو دون عناء حقيقة أنَّ زيدان كان ينظر لنفسه كمنافس قبل أي شيء. فحين اعتزل كلاعب، اعترف لاحقاً أنَّه فعل ذلك في وقتٍ مبكر جداً عما كان يتصوره في البداية. لم يكن ريال مدريد قد فاز بأي شيء في فترة ثلاث سنوات ونصف، وهي المسيرة الأسوأ للنادي في نصف قرن، وشعر زيدان بالمسؤولية عن ذلك. بالتأكيد كان سئماً من الأمر برمته، لكن ربما كان ليواصل مسيرته لو لم يَخبُر الإخفاق من الداخل. فقال: "أردتُ أن أنقل الصفاء والعمل والالتزام، لكن هناك لحظة -بعد ثلاث سنوات- تشعر فيها أنَّه من الصعب مواصلة ما تفعله. أريد الفوز، وإذا لم أكن أرى بوضوح أنَّنا سنواصل الفوز، فأفضل شيء إذاً هو التغيير وعدم فعل أي شيءٍ غبي".

ووصف القرار بأنَّه في مصلحة الجميع. فقال: "بعد ثلاث سنوات، ريال مدريد يحتاج إلى خطابٍ آخر، ومنهجية عمل أخرى، ولهذا اتخذتُ هذا القرار. أعتقد أنَّها اللحظة الملائمة للرحيل، وأعتقد أيضاً أنَّ اللاعبين يحتاجون إلى تغيير. إنَّهم مَن يقاتل فوق الميدان. وهذا ليس سهلاً لهم؛ فهذا نادٍ كثير المطالب ولديه تاريخ كبير، ودوماً ما يكون اللاعبون مضغوطين، ويريد دوماً المزيد والمزيد، وهناك لحظة تعتقد فيها أنَّه: 'حسناً، ما الذي يمكنني طلبه من لاعبيّ أكثر من هذا؟'".

لكن كان هناك ما هو أكثر من هذا. إذ كان يدرك أيضاً الشكوك التي لا يمكنه أن يَنفُضها أبداً، وحالة عدم الاستقرار في منصب المدير الفني في البرنابيو؛ وكان يعرف أنَّ البعض شكَّكوا في دوره في كل هذا النجاح، وهؤلاء المشككون ليسوا من خارج النادي فقط. وكان هناك أمرٌ لم يُلتَفَت له كثيراً حين قال عشية نهائي دوري الأبطال: "لستُ أفضل مدرب تكتيكي". ولا يمكن أن يكون غافِلاً عن الانتقادات التي وُجِّهَت له طيلة موسمٍ أنهى فيه ريال مدريد الدوري الإسباني (La Liga) خلف برشلونة بـ17 نقطة، وأُقصي فيه من كأس ملك إسبانيا (Copa del Rey) على يد فريق ليغانيس. وأقرَّ بأنَّ تلك الهزيمة تؤلم؛ وكانت "أسوأ لحظاته".

ومع أنَّه لم يكشف عن اللحظة التي اتخذ فيها قراره، فإنَّه أشار ضمناً إلى أنَّ الهزيمة في تلك الليلة كانت جليلة. فقال زيدان: "شعرتُ أنَّني.. لن أقول الكلمة، لكنَّكم تعلمون. هناك لحظات معقدة في الموسم تسأل نفسك فيها: 'أما زلتُ أنا الشخص المناسب؟' ولا أنسى اللحظات الصعبة أيضاً. هناك لحظات جميلة وانتهينا بلحظةٍ رائعة، لكن هناك لحظات صعبة تجعلك تتأمل". وزيدان يعلم أنَّ تلك اللحظات تجعل الآخرين يتأملون أيضاً.

وبالرغم من نجاحات دوري الأبطال الثلاثة، قال إنَّ لحظته الأجمل كانت الفوز بلقب الليغا الإسبانية، وهي الأقرب هناك إلى كونها اختباراً موضوعياً. كانت الفجوة هذا الموسم كبيرة للغاية. وداخلياً، كانت الصعوبات أكبر مما رآها المعظم. تحدَّث زيدان عن الأثر الذي يتركه ريال مدريد على المدير الفني؛ لكن بخلاف الهدوء، توجد صعوبات. وقد أصرَّ زيدان أنَّه كان سئماً، لكن ليس سئماً من التدريب في حد ذاته. هذا التناقض بدا مُعبِّراً. وربما تنبَّأ زيدان بالصعوبات، فذهب قبل اندلاع أي عاصفة محتملة.

واعترف قائلاً: "ربما أكون مخطئاً"، لكنَّ هذا مستبعد. وعلى نحوٍ مفاجئ، لم تكن هناك الكثير من الفرحة في نهائي دوري أبطال أوروبا، وهي لحظة وسمها كلٌ من كريستيانو رونالدو وغاريث بيل برغبتهما في الرحيل. لكن بدلاً من ذلك، كان زيدان هو مَن رحل. لم يُعبِّر بعد المباراة عن هذا، عما إذا كان اتخذ القرار أم لا، وربما لم يكن قد اتخذه.

جاءت استقالته صباح اليوم الذي كان من المقرر فيه أن يتحدث عن التخطيط للموسم الجديد. وكان قد وقف في وجه التعاقدات الجديدة من قبل، وأنهى علناً سعي النادي لاستقدام حارس مرمى فريق أتلتيك بلباو كيبا آريزابالاغا، وحمى لاعبيه، وبُني اتحادٌ حول غرفة خلع الملابس؛ وكان الاستقرار داخل تشكيلة الفريق ملحوظاً، وذلك يُنسَب إليه، لكن لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.

علِم زيدان أنَّ هذا الصيف مهم. وكان سيُستَمَع إلى رأيه، لكنَّ صوته قد لا يكون حاسِماً. وكان من الملاحظ أن أظهر الغلاف الأمامي لصحيفة Marca الإسبانية هذا الأسبوع أربعة تعاقدات محتملة للفريق، وأوردت العنوان الرئيسي: "هل تريدهم يا زيدان؟". لم تكن تلك الصياغة جزافية؛ فإذا لم تأتِ تلك التعاقدات، ستكون تلك مسؤوليته. مثَّل بيل ورونالدو تحدياً آخر، وكذلك ملاحقة نيمار. لقد كانت المهمة كبيرة، ولم تكن مهمته وحده. وهي أكبر الآن.

ريال مدريد لم يكن مستعداً لذلك؛ لكنَّ زيدان كان مستعداً. إذ قال بيريز: "إنَّه يومٌ حزين". وقال زيدان: "إنَّه ليس يوماً حزيناً لي".

 هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد لوي
صحفي رياضي
تحميل المزيد