إعلان نتائج الانتخابات العراقية بعد حوالي أسبوع من إجرائها في 12/5/2018، والتي لم تحظَ بقبول الكثيرين للطريقة التي تمت إدارتها وتنفيذها من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي يمكن أن تضع لنفسها ما تشاء من الأوصاف إلا أن تكون مستقلة؛ لأن عملها لم يكن منظماً ولا موفقاً ولا عادلاً ولا مستقلاً ولا مقنعاً لا للأحزاب والتكتلات التي جاءت منها الأسماء التي تشكلت منها المفوضية، ولا للشعب العراقي الذي انتظر حوالي أسبوع رغم أن الانتخابات جرت بطريقة تصويت إلكتروني، وكان من المفروض، حسب التصريحات السابقة لها، أن يتم إعلانها خلال ساعات، وعلى الرغم من.. ومن… إلا أن ما حدث قد حدث، وعلينا التعامل مع مخرجات الأمور ونتائج الأحداث؛ لأن الموضوع بصراحة هو أكبر من المفوضية نفسها والكيانات المشاركة والشخصيات الكثيرة والكبيرة الداخلة والخارجة في الملعب السياسي العراقي.
وتمثل المراجعات أحد أهم المواضيع التي يجب الاهتمام بها، ليس في موضوع الانتخابات فقط، وإنما يجب أن يتحول إلى سلوك وطريق عمل بعد كل موضوع أو أمر مهم يمر به البلد؛ لأن المراجعات مطلوبة، سواء للأشخاص أو للجماعات بمختلف مسمياتها أو مراكزها.
وأهمية المراجعات تتبين بعد معرفة المقصود منها لغةً واصطلاحاً، فالمراجعات لغة جمع (مُرَاجَعَة) وهي مصدر(رَاجَعَ) ومُرَاجَعَةُ أَهْلِ العِلْمِ: اِسْتِشَارَتُهُمْ، ومُرَاجَعَةُ كِتَابٍ: إِعَادَةُ النَّظَرِ فِيهِ وتَصْحِيحُهُ، ومُرَاجَعَةُ الحِسَابِ: مُرَاقَبَتُهُ وَالتَّدْقِيقُ فِيهِ، أما اصطلاحاً فهي إعادة تقييم جذرية لنظرية أو عقيدة أو حدث تاريخي أو شخصية تاريخية هناك إجماع على صحة ما كتب بشأنها، والمراجعة قد تكون علمية أو قانونية أو قضائية وغيرها.
أما المراجعة في السياسة فهي تقييم تغيير أو مشكلة أو عملية أو مشروع أو غيرها، وهي تتم عادةً في نقاط محددة مسبقاً، خاصةً بعد نهاية حدث هام، والغرض من المراجعة هو التأكد من أن جميع المعطيات تم الحصول عليها قد ساهمت فعلاً في الوصول إلى القرار أو النتيجة أو الهدف المنشود.
وتمثل دعوة مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني يوم السبت 19/5/2018 إلى مراجعة في العلاقات بين بغداد وأربيل خطوة شجاعة لمرحلة ما بعد الانتخابات، والتي جاءت في رسالة موجهة للرأي العام بمناسبة إعلان النتائج النهائية للانتخابات "نأمل أن تتم مراجعة للعلاقات بين أربيل وبغداد بعيداً عن التعصب والتوتر، وأن تكون تلك الانتخابات بداية لمرحلة جديدة بين الجانبين؛ لطي تاريخ من الأزمات، داعياً في الوقت نفسه الحكومة العراقية الجديدة لفهم القضية العادلة للشعب الكردي".
إنه من المهم أن تتم تلك المراجعة مع الحكومة الاتحادية؛ لأنه بعد إعلان نتائج الانتخابات أصبح واضحاً حجم ودور الأطراف السياسية في العراق والإقليم معاً بعد أن تبين عدد المقاعد التي حصل عليها كل طرف، لكن من الأهم أيضاً أن تكون المراجعة كردية كردية، أي داخل الإقليم؛ لأنه بعد عدة أشهر (في 30 سبتمبر/أيلول) هناك استحقاق انتخابي مهم، وهي انتخابات برلمان إقليم كردستان، وإن الناخب الكردستاني إذا ما كان غير مهتم بانتخابات مجلس النواب العراقي (الاتحادي) فإن العكس تماماً بالنسبة للبرلمان (الإقليمي) والذي سوف تكون نتائجه مهمة وحاسمة للسنوات الأربع القادمة.
المواطن في إقليم كردستان ضحى بكل ما يملك وقدم كل ما يمكن تقديمه، وهو يحتاج إلى خدمات وحقوق واستحقاقات أكثر وأفضل مما هو موجود في ظل الفساد المنتشر بالإقليم، والذي حول الوزارات الخدمية (صحة، تعليم، بلدية، بنوك، زراعة وغيرها) مجرد عناوين وبنايات كبيرة لا تقدم للمواطن شيئاً، وزيارة بسيطة لأي مستشفى أو مستوصف حكومي أو مدرسة أو مصرف عام يظهر الوضع البائس الذي تعيشه هذه المرافق العامة المخصصة لخدمة المواطن لا أن يقوم المواطن بخدمتها فقط.
رواتب الموظفين رهينة الادخار الإجباري الذي لا يُعرف متى ينتهي وكيف ينتهي ولماذا يستمر مع كل هذا الارتفاع في أسعار النفط العالمية؟، وعشرات الآلاف من المواطنين تعرضوا إلى عمليات سرقة ونصب واحتيال من قبل الكثير من شركات الاستثمار التي سيطرت على آلاف الدونمات الزراعية حول المدن ومن دون حلول منذ عدة سنوات.
المراجعة العراقية مطلوبة، لكن الأهم منها المراجعة الكردية وترتيب البيت الكردي وتنازل الأخ لأخيه أفضل وأشرف من التنازل للآخر، وموارد وخيرات كردستان تكفينا وزيادة لو يتم توزيعها بالعدالة والحق.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.