يعدُّ الانتقال من منزل إلى آخر عملية ليست بالسهلة، فهي لا تشمل الاستغناء عن السكن القديم فقط، وإنما مغادرة الذكريات والجيران والأصدقاء، إضافة إلى تغيير مدرسة الأبناء في معظم الحالات، وهذه الأخيرة لها تأثير سلبي بالعادة على مزاج ونفسية الأطفال؛ نظراً للصعوبات التي قد يواجهونها في التأقلم في المكان الجديد، إضافة إلى الانفصال عن الآباء الثانويَّين، الذين أقصد بهم المعلمين والمعلمات، فقد يتدنى المستوى الأكاديمي للأبناء نتيجة اختلاف البيئة والزملاء وأسلوب التدريس وغيرها؛ لذلك كل هذه التضحيات يجب ألا تذهب سُدى بالتورط في سكن غير مناسب.
وقبل أن تدفع أموالك، لن يضرك التأكد من مناسبة المكان الجديد للعيش الكريم، وأقصد هنا أن يكون السكن مريحاً ونظيفاً، وخالياً من أي مشكلات تتعلق بموقعه وبتصميمه وبخدماته.
فكوني قد اضطررت للانتقال من سكن إلى آخر على نحو متكرر خلال الأربع سنوات السابقة، ولعملي في كتابة الدليل الفني لكبرى الشركات المتخصصة في الأثاث وتصميم المنازل، أملك القول بأنني قادرة الآن على حصر معظم المشكلات التي قد توجد في أي منزل، والتي "ستنغّص" عيش أي أحد إن لم يرصدها قبل الانتقال إليه.
فما هي أهم الأمور التي يجب مراعاتها قبل الانتقال إلى السكن الجديد؟
بداية، كلما كان البيت جديداً كان أفضل من جميع النواحي؛ إذ حينها ستكون جميع مرافقه وخدماته جديدة وذات صلاحية استخدام أطول، وفيما يلي مجموعة من الأسئلة التي تسلط الضوء على أهم الأمور الأخرى:
أولاً: الموقع الجغرافي
أ- هل السكن معرّض لأشعة الشمس؟ فمن دون الشمس تتوقف الحياة؛ إذ أثبتت الدراسات وجود الكثير من فوائد أشعة الشمس، فهي إضافة إلى مساهمتها في إضاءة السكن بشكل طبيعي، فإنها تعمل على زيادة فاعلية جهاز المناعة لدى الإنسان، وبالتالي فمن المهم جداً أن تدخل أشعة الشمس جميع غرف السكن إن أمكن؛ إذ يفضل أن تكون غرف النوم في الشرق والمطبخ في المنتصف، على أن تكون غرفة الجلوس في الغرب.
ب- هل توجد حديقة قريبة من محيط السكن؟ وذلك لما في النباتات من دور في تنقية الهواء وتحسين المزاج، ففي بحث أجرته وكالة ناسا الفضائية، تبيّن وجود مجموعة محددة من النباتات التي تسهم في تنقية الهواء وتوفير الأكسجين النقي، منها: الزنبقة البيضاء، الألوفيرا، نخيل الخيزران، نبات البوتس، والأقحوان، فيمكن زراعتها داخل المنزل إن لم تتوافر أي حديقة بالقرب منه.
ج- هل السكن قريب من الخدمات؟ أي توافر السوق والمركز الصحي والصيدلية وملاعب الأطفال في ذات المنطقة، إضافة إلى قرب المدرسة والعمل إن أمكن، وذلك لقضاء مختلف الحاجات بشكل أسرع، والاستغناء عن ركوب السيارة، مما سيسهم في حماية البيئة والمحافظة على صحة الجسم بذات الوقت.
د- هل السكن مبني على أرض مرتفعة؟ وذلك لتقليل فرص دخول مياه الأمطار والحشرات والقوارض إليه، إضافة إلى توافر رؤية أفضل للمحيط الخارجي، ومجال أكبر لدخول أشعة الشمس لكافة غرفه.
ثانياً: التصميم الداخلي
أ- هل يوجد مقابس كهرباء كافية في كل غرفة؟ وذلك للحاجة إلى استخدام الأجهزة الكهربائية، كالمصابيح الضوئية وأجهزة التنظيف كالمكنسة، وأجهزة التجميل كآلات الحلاقة وتلك الخاصة بتسريح الشعر وغيرها، كما يجب التأكد من توافر المقابس في المطبخ أيضاً، وذلك للتمكُّن من توصيل مختلف الأجهزة الكهربائية المتعلقة بتحضير الطعام، مثل: جهاز المايكروويف، وسخان الماء، والخلاط، وغيرها.
ب- هل حالة الجدران والسقف جيدة؟ إذ يجب التأكد من نظافتها أو إعادة طلائها -إن أمكن- لما لذلك من دور في زيادة جمالية السكن، وتسهيل عملية التأقلم فيه.
ج- هل غرف النوم واسعة؟ وذلك لتستوعب السرير الكبير لغرفة الزوجَين، وأيضاً مكتب الدراسة، ومساحة الألعاب في غرف الأبناء.
د. هل مصابيح الإضاءة كافية في كل غرفة؟ وذلك لما للإنارة الجيدة من دور في تحسين المزاج وزيادة النشاط ومستوى الأداء.
هـ- هل المطبخ واسع؟ وذلك للتمكُّن من تحضير الطعام، ولوضع طاولة الطعام داخله، إن أمكن.
و- هل هناك أي مداخل محتملة لدخول مختلف الحشرات والقوارض؟ مثل وجود فتحات أسفل الباب الرئيسي، أو في النوافذ، أو عند مقابس الكهرباء، أو فتحات التهوية، أو عند المصارف، وغيرها، كما يمكن للحشرات أن تتسلل من شقوق الأبواب والأرضيات، فيمكن حينها العمل على إغلاقها، أو إعادة تركيب الأبواب والنوافذ.
وعند التأكد مما سبق، يجب مراعاة توزيع الأثاث بشكل جيد؛ لتسهيل عملية التأقلم في السكن الجديد، فبحسب المصمم الداخلي مايكل سميث، الذي عمل على إعادة تصميم الجناح الرئاسي في البيت الأبيض في عهد أوباما، يجب عدم الإفراط في وضع إكسسوارات المنزل، وتجنب وضع جميع قطع الأثاث ملاصقة للجدران، كما يجب الاستغناء عن قطع الأثاث الكبيرة، إن كانت مساحة الغرفة صغيرة، واستخدام تلك التي ستزيد من فاعلية استخدام كل غرفة، مثل استغلال طاولة الطعام للدراسة، أو وضع المكتبة في ذات الغرفة.
ثالثاً: الخدمات
وتشتمل على الخدمات الداخلية الخاصة بالمنزل، وتلك الموجودة خارجه، مثل:
أ- هل خزانات المياه تملك أغطية محكمة؟ وذلك لحمايتها من تلوث الجو، ومن دخول الحشرات والأجسام الغريبة.
ب- هل الأجهزة الكهربائية بحالة جيدة؟ كالتلفاز وأجهزة التكييف وسخان الماء والثلاجة والمايكروويف، وذلك في حالة كانت ضمن سعر الإيجار أو البيع.
ج- هل الكهرباء جيدة أم أنها تنقطع بشكل متكرر؟ وهنا يمكن سؤال الجيران حول هذه الخدمة.
د- هل أنابيب التوصيل الخاصة بالماء والكهرباء وتلك المتعلقة بتصريف المياه العادمة بحالة جيدة؟ وذلك لتجنب التأثر بنقص الماء والكهرباء، وأيضاً لمنع كارثة انعدام تصريف المياه العادمة في المطبخ وداخل الحمامات.
هـ- هل تغطية الإنترنت متوافرة لمنطقة السكن الجديد؟ إذ في كل منطقة تتوافر أبراج خاصة بشركات الاتصالات فوق الأبنية لتوفير تغطية مناسبة للقاطنين فيها، ويجب الأخذ بعين الاعتبار عدم السكن في ذات البناء الذي عليه الأبراج، وذلك لتأثير تلك الأبراج سلباً على الأجهزة الكهربائية والإلكترونية داخل السكن.
و- هل توجد أماكن خاصة ومحمية لتوقيف سيارة العائلة؟ وذلك لحمايتها من التعرض لأشعة الشمس، ومن عبث الأطفال، ومن السرقة.
رابعاً: الجيران
ويقصد بذلك موقعهم بالنسبة للسكن وثقافتهم:
أ- هل هناك مساحة فاصلة بشكل كافٍ بين السكن وبقية المنازل من حوله؟ إذ سيساعد ذلك على تهوية المنزل بشكل أفضل، وتوفير رؤية أوسع، وإمكانية لدخول أشعة الشمس بشكل أكبر، إضافة إلى التقليل من مستوى الإزعاج الصادر من بقية المنازل.
ب- هل لدى الجيران الكثير من الأطفال والشباب؟ ففي هذه الحالة قد يكون السكن غير مريح من حيث الإزعاج نتيجة لعب الأطفال وصراخهم، وصعوبة خروج الفتيات في مختلف الأوقات؛ لزيادة احتمال تعرضهم للمعاكسات من الشباب.
ت- هل تتوافر النظافة العامة حول منازل الجيران؟ إذ وجود القمامة سيزيد من تجمع الحشرات من الذباب والبعوض ومختلف القوارض.
ث- ما هي المستويات الأكاديمية والمهنية للجيران؟ فكلما كانت مستوياتهم عالية، كان أسلوبهم في العيش أرقى وأكثر تأدباً في تعاملهم مع بعضهم البعض.
بذلك تنتهي معظم الأمور المهمة التي تجب مراعاتها في السكن الجديد قبل الانتقال إليه، ولكن يبقى أمر واحد يتعلق بصحة الأبناء النفسية؛ إذ ستزداد احتمالية إصابتهم بالاكتئاب والقلق نتيجة ذلك، ويمكن حينها أن يقوم الأهل باصطحابهم إلى المدرسة الجديدة للقاء المعلمين الجدد، والتعرف على مرافقها في يومهم الأول، وتحفيزهم على التعرف على زملائهم، وتكوين صداقات جديدة معهم، وإن كان الأبناء من فئة الأطفال، يمكن حينها اللجوء إلى سرد القصص لهم؛ لتسهيل عملية تأقلمهم، وذلك لما ثبت من فوائد للقراءة للطفل في التغلب على مشاعره، كالقلق والخوف عند سماعه لقصة مشابهة لحالته، فيدرك حينها أن مشاعره ومخاوفه أمر طبيعي، كما سيساعده ذلك على تجاوزها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.