لم أتمالك نفسي من الضحك عندما قرأت ردود فعل المشاهدين بعد عرض فيلم الكارتون أو الأنيميشن "Zootopia"، الذي بدأ عرضه في مارس/آذار من العام الحالي، ويتحدث عن قصة أرنبة تحلم بأن تكون شرطية، وتسير نحو حلمها بغض النظر عن كل المثبطات المحيطة؛ لكونها فقط أرنب بالكاد تستطيع حماية نفسها!
أما المضحك في الموضوع، فهو إجماع الأغلبية على وقوعهم بحب الشخصيات بطريقة لا واعية، فالفتيات واقعات بحب ذلك الثعلب صاحب الصوت المميز الهادئ واللافت للنظر، بالإضافة للمحات الذكاء التي زادته تميزاً في الفيلم، بينما وفي الطرف الآخر لم يتورع الرجال من إظهار إعجابهم الشديد بشخصية الأرنبة النشيطة الطموحة ممشوقة القوام، التي تملك روح الدعابة اللطيفة، بينما تمارس الرياضة وهي تستمع لشاكيرا عبر هاتفها الآي فون!
تعتقدون أنه فيلم للبالغين! لا إطلاقاً هو للأطفال أساساً تنتجه شركة ديزني والت ضمن باقاتها السنوية من الأفلام اللافتة ذات الجودة العالية، والتي تخاطب كافة أفراد الأسرة ليسمى حينها بالفيلم "العائلي"؛ حيث شخصياً أستمتع به أكثر من أفلام البالغين حتى!
أستطيع القول بأنني شاهدت حوالي خمسة عشر فيلم رسوم متحركة Animation خلال الثلاثة أشهر الأخيرة فقط وعلى فترات مختلفة، حاولت أن أنتقي الجديد منها ولشركات إنتاج مختلفة أيضاً؛ للخروج من إطار ديزني المعروف، لكن في الحقيقة كلها متشابهة وتعتمد على قصص لافتة جميلة بسيناريو أقل ما يمكن أن نصفه به أنه إبداع بروح الكوميديا والطرافة التي تجعل من إنهاء الفيلم مهمة غير قابلة للكسر إلا لتناول حفنة من "البوشار"!
الثقافة الأميركية طاغية بشكل واضح بكل هذه الأفلام، بينما أغلب الأفلام تقريباً تحوي قصة حب تتكلل بها النهاية، وتتراوح المشاهد ما بين العادية إلى الرومانسية بحسب قصة وطبيعة الفيلم كما نشاهد في فيلم "Tangled" على سبيل المثال، الذي يروي القصة المعروفة التي نعرفها كلنا عن تلك الأميرة الجميلة ذات الشعر الطويل جداً والمحبوسة في البرج نتيجة سحر ساحرة غيورة شريرة، والقصة تطول بينما يذوب المشاهد أمام قصة الحب التي تنشأ بينها وبين منقذها، والذي لا ينفك عن النظر لها بطريقة جذابة غارقة بالحب والرومانسية!
ومجدداً.. أهو فيلم للبالغين؟! لا إطلاقاً هو فيلم رسوم متحركة يخاطب كافة أفراد الأسرة، ويتوجه أساساً للطفل الذي كانت هذه القصة وغيرها بالنسبة له جزءاً من قصص ما قبل النوم التي يعرفها كل الأطفال تقريباً.
قبل شهر وتلبية لدعوة عائلية، خرجنا لحضور فيلم الأطفال "Ice age 4: Collision Course" من إنتاج شركتي فوكس وBlue sky للإنتاج، وصراحة أستطيع مجدداً أن أصف السيناريو بالعميق والفكاهي والقوي جداً، ولكن تلفتك به "ايلي" -حيوان الماموث- التي تصرخ بوجه والديها لتقول لهما: "إنني لا أهتم لرأيكما فيما وافقتما أم لا – على علاقتها بخطيبها – وسأتزوجه رغماً عنكما؛ لأنه خياري ولن أتراجع عنه"، رداً على رفضهما لخاطبها!
بينما وبنفس الفيلم ترد صديقة "سيد" -حيوان الكسلان- على عرضه لها بالزواج بأنه جنوني لتصرخ بوجهه معترضة أن يطلب منها طلبا كهذا، وهما لم يخرجا معاً إلا في موعد واحد! هذا –بنظرها- غير كافٍ لتوافق على الزواج به… معها حق!
طبيعة الإنتاج الأميركي ومنافسه الياباني – الوحيد تقريباً- تعكس ثقافة ومفاهيم كلا الشعبين، ابتداء برعاة البقر والساموراي وانتهاء بتفاصيل الحياة اليومية التي تنقلها هذه الأفلام بدقة إنتاجية عالية تجعلها محببة لدى الجميع ومقبولة جداً.
وكونها نابعة من صميم المجتمع، فإن هذا لم يمنع الشعب الأميركي مثلاً من تقديم بعض الملاحظات على هذه الأفلام التي تغذي عقل الطفل بطريقة خيالية لا تراعي الواقع.
إن جمال الشخصيات الأخّاذ والأجساد الممشوقة ومثالية النهايات وتمحورها حول فكرة واحدة هي صور لا تمت للواقع بصلة، وتعد انتهاكاً للحقيقة، بينما البعض وجد بالقُبلة التي أيقظت "الجميلة النائمة" و"بياض الثلج" انتهاكاً أخلاقياً، حتى إن قبول الجميلتين بهذا التصرف هو سلوك غير صحي يجب عدم عرضه للأطفال على أنه أمر طبيعي!
وكأم لطفلتين أعيش في هذا البلد -أميركا- حاولت البحث عن بدائل تعكس الثقافة العربية عموماً أو الإسلامية تحديداً؛ لأواجه نتائج مخيبة جداً على كافة المستويات للأسف، فمن ندرة البرامج المطروحة وشحها إلى رداءة الصوت والصورة في معظمها، بينما يغلب على الطرح الموجود الملل والتكرار وضعف عنصر التشويق!
كم بلداً عربياً في الوطن العربي؟ وما زلنا نترجم لأطفالنا برامج الأطفال الغربية دون أدنى مراعاة لخصوصية الطفل العربي وحياته وأسلوب معيشته، وليس هذا المحزن بقدر أن الشركات الناقلة تنقل حثالة العروض الأجنبية وتترك الجيد منها فما السبب في ذلك؟
يخذلني المحتوى العربي على الإنترنت بكافة جوانبه، سواء الموجه للصغار أو للكبار، فأنت لا تجد ضالتك إلا بالبحث باللغة الإنكليزية، فلا تجد على اليوتيوب مثلاً محتوى تعليمياً للأطفال يختص باللغة العربية كذاك الذي تجده لتعليم الإنكليزية للأطفال بكافة الأصعدة والطرق اللامنتهية.
أما على مستوى التطبيقات، فالحال ليس بأفضل سواء –وأكرر هنا– على مستوى تطبيقات الأطفال التعليمية والترفيهية، أو تلك المخصصة للكبار، كالكتب المسموعة مثلاً؛ حيث كنت أبحث عن شيء مشابه أو حتى قريب للمكتبة الأجنبية المسموعة، لكن لم أجد سوى بعض التطبيقات التي لا تحوي الكم الكافي والمتنوع من الكتب، أو أن الصوت بها غير مناسب؛ حيث دائماً هناك مشكلة!
وأعود هنا من حيث بدأت، وعن حجم التأثير الذي تتركه شخصيات الأفلام في الكبار قبل الصغار، وعن حجم الرسائل التي يتم إيصالها للعقل اللاواعي على فرض رفض العقل الواعي للفكرة، خصوصاً أن المتابع لأفلام كهذه يندهش من دقة الأحداث وزخم التفاصيل وقربها للمشاهد، حتى وإن كانت تتحدث على لسان الحيوانات التي تبدو أكثر تطوراً حتى من البشر أنفسهم!
وإن كان التأثير والرسالة لا تهمك، فقراءة سريعة في الأرقام التي تحققها أفلام كهذه ستغير فكرتك تماماً؛ حيث إن فيلم zootopia لوحده حقق وخلال ثمانية أشهر من بدء العرض أكثر من بليون دولار أميركي.. نعم إن الرقم صحيح "بليون"، بينما كلف إنتاجه 150 مليون دولار أميركي، وقياساً على ذلك وعلى عدد أفلام الأنيميشن التي تصدرها شركة ديزني فقط تخيل الدخل السنوي الذي قد تحققه شركة كهذه والشركات المشابهة، سواء في أميركا أو اليابان.
والآن أين نحن من ذلك؟ شركات إنتاج صغيرة هنا وهناك أغلبها في الأردن والخليج ولبنان، وتملك الموهبة لكن النص ضائع، والمحتوى ضحل، والدعم المادي في أدنى درجاته، بينما المخرجات أفلام قصيرة جداً وبجودة جيدة، لكن ما زالت في طور النشوء مقارنة بالمخرجات العالمية.
هل نستطيع؟ بالتأكيد نستطيع إذا ما وجد التدريب والعمل الجاد والدعم المادي الحكومي أيضاً؛ حيث في اليابان وفرنسا تحديداً، وكما سمعت قبل سنوات أن الحكومات تدعم أي فيلم من هذا النوع بأكثر من 50% من الميزانية المقررة للإنتاج، وهذا بحد ذاته تشجيع من جهة، و دخل مادي هائل من جهة أخرى، خصوصاً أن الساحة فارغة على مستوى الوطن العربي والمنافسة في أدنى مستوياتها!
فلماذا نبقى عبيداً للنقل والترجمة طالما أن الباب مفتوح على مصراعيه للكسب المادي والثقافي والاجتماعي حتى؟ فالأفلام ليست مجرد عمل ترفيهي بقدر ما هي أداة محركة ومؤثرة وبنفس الوقت توجّه اقتصادي عالمي جديد يفوق الكثير من الصناعات ربحاً!
صراحة لا أستطيع أن أفهم حجم الإبداع في الوطن العربي في مختلف المجالات، وما يقابله من عملية نسخ لكل ما هو أجنبي في حياتنا، حتى الأفلام العربية حين تمعن التدقيق فيها تجدها في معظمها أفكاراً منقولة من أخرى أجنبية بينما يزيد استيائي عندما أعرف أن مسلسل الطفولة الذي كان يعرضه التلفزيون الأردني ونفتخر به كإنجاز وطني "المناهل" ما هو إلا نسخة عن البرنامج الأميركي the electric company، وكثير من حلقاته تشابه موضوعات عالم سمسم في نسخته الأميركية التي بدأت عام 1969.
لا نقول إن هذا يسيء للبرنامج الذي تم تطويره بما يتناسب والمجتمع المحلي، ولكننا بالفعل متعطشون لأعمال جديدة متفردة نقية تشعرنا بالعزة والأنفة وبروح الإبداع والأصالة، خصوصاً أن هذا البرنامج توقف عند حد معين ولم يواكب أي تطور فأصبح نسخة قديمة لا تلفت جيل اليوم أبداً.
كم أحب لابنتي وأنا أراها تكبر وتتابع كل هذه القصص، أن أجد لها قصصاً سمعناها من أجدادنا وخبرناها في تراثنا وتاريخنا وديننا بشكل مشوق لافت، يرسخ بالذاكرة ويصبح جزءاً لا يتجزأ من طفولتها، فيسهل علي وعليها شق الطريق ورسم ملامح أفضل للمستقبل! فهل من سبيل؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.