مساندة أردوغان أم تأييد المعارضة؟.. ما يجب على العرب المقيمين في تركيا فعله في الانتخابات التركية

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/16 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/16 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش

مع كل مناسبة يُستدعى فيها الشعب التركي للإدلاء بصوته واختيار ممثليه على كافة أصعدة الدولة ومؤسساتها المنتخبة، تتزايد النقاشات بين أبناء الجالية العربية المقيمين في تركيا لجوءاً أو طوعاً، لتحصيل العلم أو كسب الرزق، أو للعيش في بلد مسلم تتوفر فيه شروط الحياة الكريمة، بعد أن ضاقت بهم الدنيا في بلادهم.

تعددت مساحات النقاش، وفي مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعي (أداة العصر)، وبالتأكيد لم تخلُ تلك النقاشات والكتابات من انحرافات وتجاوزات تحت تأثير الاستقطاب الفكري والميل والانحياز العاطفي، تأييداً لحزب العدالة والتنمية، والخوض في أمور كما لو أنهم أتراك، أضف إلى ذلك مهاجمة فصائل أخرى، على رأسها التيار العلماني وحزبه (حزب الشعب الجمهوري).

ليست هذه هي القاعدة الحاكمة في النقاشات، ولكنها لافتة وتصدر في بعض الأحيان من أشخاص لديهم حيثية سياسية في بلدانهم، ويمارسون العمل السياسي لخدمة قضاياهم من تركيا، وأنا شخصياً لم أجد فيمن أعرفهم منهم سوى فصاحة لسان لعقل فارغ ونفس لا ينبت الخير فيها من شدة ظلامها وظلمها، لقد ساهمت هذه الأصوات فيما وصلت إليه بلدي من سوء، وربما على نفس خطاهم آخرون من أقطار أخرى.

لم يترك الشباب العربي الناضج لهم الساحة خالية يمارسون هذا العبث بالتدخل في سياسة دولة تستضيف المستضعفين، وتجاوز حدود الضيافة وآدابها، والإساءة في بعض الأحيان لبعض الاتجاهات الفكرية التركية، ظناً منهم أنهم بذلك يقدمون خيراً للحزب الحاكم، وأعطاهم الشباب دروساً فيما يجب علينا أن نقول، وما لا يجب أن يصدر عنا بشكل عام، وفي مثل هذه الاستحقاقات بشكل خاص.

استوقفني من بين الأصوات التي تحترم خصوصية الدول، ومنها الشأن التركي، مقال حول ما يجب أن نفعله كعرب مستأمنين في تركيا كضيوف؛ حيث إن حرص كاتب المقال – زهير سالم المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا –  الشديد دفعه إلى مكان ليس ببعيد من حيث عدم الاتزان عن أولئك الذين تمثل كتاباتهم تدخلاً تارة، وإساءة تارة أخرى، فدعا العرب المقيمين في تركيا، وخصوصاً السياسيين منهم، إلى عدم التدخل وارتكاب حماقات لا عائد منها إلا البلاء، وهنا أؤيده وأتفق معه.

أما عن جوانب الاختلاف معه، فكانت في دعوته العرب المقيمين إلى إخفاء تعاطفهم ولو بالكلمة لمن يريدون لهم الحصول على ثقة الشعب التركي في الاستحقاقات المزمع إجراؤها قريباً، والوقوف على مساحة متساوية مع جميع الأطياف السياسية!

كما دعا أيضاً السياسيين العرب إلى زيارة كافة الأحزاب واستعطافهم لدعم قضايا الشعوب والوقوف بجانبها حتى تتمكن الجاليات من العودة إلى بلادها وتعيش استحقاقات كالتي يعيشها الشعب التركي!

ويفهم من هاتين الدعوتين، وكأن الكاتب يريد للمستأمنين العرب استخدام التقية وحبس قناعاتهم وأمنياتهم داخل العقول والنفوس، وإظهار ما ليس فيهم، من أنهم لا يتمنون حصول العدالة والتنمية على ثقة الشعب التركي، وأيضاً دعوته للسياسيين العرب بإجراء جولات وإبرام تفاهمات مع الأحزاب التركية فيما يخص قضاياهم! وجدتها دعوة براغماتية تمثل معنى سافراً في إنكار مواقف حزب العدالة والتنمية مع تلك القضايا، والتي يدفع ثمناً باهظاً بسببها داخلياً وخارجياً وإقليمياً دون غيره من الأطياف السياسية الأخرى، والتي يوجد منها من يحاسبه على تلك المواقف!

فإذا كانت الكتابات والنقاشات والمواقف التي تمثل تدخلاً وعدم احترام لحدود الضيافة تمثل انتهاكاً وتصنع عداوات لا داعي لها بين أبناء الجالية العربية وشرائح من المجتمع التركي، وأيضاً تضع العدالة والتنمية في موقف محرج داخلياً، وإظهاره على أنه نظام يستدعي غير أبناء الوطن للنيل من بعض أبناء الوطن، أو على الأقل لا يتدخل لوقف هذه الانتهاكات باعتباره الحاكم الذي استقبل المظلومين والداعم لقضاياهم، فأيضاً هذه الدعوة وإن كانت تهدف إلى تجنبنا بلاء لا حاجة له، إلا أنها تحمل بين جنباتها سحقاً لحقوق الملايين التي يمكن أن تعبر عن رأيها بكلمة تعبر فيها عن أمنياتها بالتوفيق لمن ساندوهم دون أي تجاوز في حق أي فصيل آخر، وهذه المشاعر والأمنيات ليست بالخفية على القاصي والداني، ويحترمها من تمرس ثقافة الاختلاف، ما دامت في إطارها، أما دعوته للسياسيين فهي بمثابة انقلاب على مساندي قضايا الشعوب العادلة، ومن جانب آخر تقارب مع من يحاسبهم داخلياً على تلك المواقف، فربما لم ينمُ إلى علمه أن الأحزاب المعارضة لديها وعود انتخابية تتعلق بالتضييق على إقامة العرب في تركيا، وإعادة السوريين إلى بلدهم، حتى إن فيهم من قال (سيأتي رمضان القادم وقد عاد كل السوريين إلى سوريا)!

فكما يجب ألا تكون الجاليات العربية سبباً في إحراج حزب العدالة والتنمية داخلياً، يجب أيضاً ألا تكون شوكة في ظهره، فلا تميلوا كل الميل، ونتذكر أننا أمة وسط، والوسطية اتزان.

إن الذي يجب أن يشمل كل أطياف الشعب التركي ثقافياً واجتماعياً بما فيه من تنوع هو الاحترام، وهنا يكون الحديث على أن نقف على مساحة  متساوية من الجميع في محله، وألا يتجاوز تفاعلنا مع مثل هذه الاستحقاقات تمنياتنا بالتوفيق للفصيل الذي نتمنى له التوفيق بكلمة أو دعاء أو منشور على صفحاتنا الخاصة، من باب حق التعبير وحرية الرأي دون المساس بأحد -أشخاصاً كانوا أو كيانات أو تيارات- والتأكيد على أن اختيارات الشعب التركي محل احترام، سواء كانت كما تتمناها الجاليات العربية أم لا.

وأخيراً أود أن أقول إن الاهتمام والتفاعل مع ما يخص تركيا لا يقتصر فقط على المقيمين فيها من العرب، ولكنه يشغل بال كل الشعوب العربية، وتتجه أنظار الملايين منهم نحو مصادر الأخبار تترقب ما هو جديد، ويعبر كل منهم عن تفاعله بالكتابة أو القول أو الدعاء، الدعاء الذي يتوجه إلى الله به عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في مصر يطلبون الخير لتركيا وأهلها رغم أن إظهار هذا الحب والتعاطف ربما يجلب لهم البلاء داخل زنازينهم الضيقة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حسين صالح عمار
محامٍ وباحث قانوني
حسين صالح عمار محامٍ وباحث قانوني سابق بوزارة التنمية المحلية، وباحث حقوقي ومساعد باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة أوكسفورد، وعضو مجلس إدارة مستشفى كرداسة الحكومي وعضو فريق تنسق برنامج مساعدة اللاجئين (صوي) بتركيا
تحميل المزيد