“يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات”.. هكذا نتعرض نحن الفتيات العربيات للوأد المعنوي منذ الولادة

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/14 الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/14 الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش
Need to think. Serious female bowing head and crossing arms while being low spirited

سرعان ما انتهت فرحة الحامل، تقول في سرها: "ليته كان ذكراً؛ ليحمل اسم العائلة ويكون سنداً لوالديه!".

"ابني حمَّال همّي وابنتي جلّابة همي"..

الذَكر حظوة العائلة والمجتمع، والأنثى حِمل ثقيل لا ينتهي إلا بزواجها أو مماتها.

ثم تكمل في ولولتها المتوارثة في صمت:

"لما قالوا بِنَيّة اتهدت الحيطة عليّا"، "يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات"، "الأنثى زريعة إبليس".

هذه بعض الأمثلة الشعبية من المجتمع العربي حول النساء، مجتمع غريب ومنفصم لا يتناسل ولا يستمر إلا عن طريق المرأة، ولكنه يخافها ويردعها، يراقبها ويحاصرها، ولا يطمئن إلى زوال خطرها إلا في حالة زواجها أو موتها.

ما زالت بعض المناطق المحافِظة في المجتمَعَين العربي والإسلامي ترى أن الأنثى مشروع عار محتمل، إن لم تحسن العائلة تربيتها، والتربية تعني مراقبتها ومحاصرتها، فالعار في مجتمعَينا العربي والإسلامي أطول من الأعمار ولا يُمحى بالموت.

فيتساهل القانون مع القاتل تحت ذرائع الشرف، ولا يُدين تزويج الفتاة في سن الطفولة، فقد انتشرت هذه الظاهرة بكثافة في اليمن، ويشير تقرير منظمة سياج إلى أن 60 في المائة من فتيات اليمن يتزوجن قبل سن الثامنة عشرة.

تعود هذه النظرة إلى تهمة الغواية التي التصقت بحواء وبناتها إلى اليوم رغم أن النص القرآني قد حمل آدم وحواء مسؤولية الخروج من الجنة، ولكنْ لمجتمعنا نظرة أخرى. فقد انتصر الثقافي على الديني في هذه النقطة؛ إذ لم يعد وأد الأنثى مرحَّباً به بعد الإسلام، ولكن ابتدع المجتمع وأداً معنوياً يضاهي بشاعة الوأد المادي.

تنشأ الفتاة وهي تستبطن أن أخاها أفضل منها، وهو أكثر أهلية للحرية.

تشاهد بأمِّ عينها التفرقة بينها وبين أخيها الذَّكر، يأكل أفضل منها، ويتصرف وفق أهوائه، يدخل ويخرج كما يشاء، وتُعنَّف هي إن حدث ودخلت البيت متأخرةً عن موعدها ولو بساعة واحدة.

إنها تفرقة جنسية وشرعية تحت تعلَّة أن الذَّكر لا يعيبه شيء، وإن حدث وإن فعلت ما يعيب، فلن يغفر لها المجتمع صنيعها إلا بموتها.

الوأد المعنوي

لا تموت المرأة كما الرجل، لا يأتيها الموت لحظة أجلها إنَّما تموت تدريجياً، فهي تُوأد منذ ولادتها إلى أن يأتيها الموت فيجدها جاهزةً ويأخذها، يبدأ المجتمع والعائلة في دفنها الرمزي منذ ولادتها، وتساعد بعض النساء في ذلك بإرادتهن منذ وعيهن بخطورة جنسهن على المجتمع الذي ينتمين إليه، ويبدأن في ملاحظة خطره منذ طفولتهن.

ترث الفتاة من أمها أخلاق البؤس والارتهان للذَّكر منذ نعومة أظافرها، وهي ترى والدتها تخضع لسيطرة الأب المعنوية والجسدية، تُضرب وتُهان فتصمت خوفاً من الطلاق والعودة خائبةً إلى بيت أهلها.

والضرب مشروع لإعادتها إلى جادة الصواب إن كانت مخطئةً، وإن كانت مظلومةً لا يهمُّ، فالمحافَظة على مؤسسة الزواج تضاهي المحافظة على قيمة الحياة. لا مكان للمطلّقة في المجتمع الذكوري، فسرعان ما توصم بالعهر وتصبح حركتها مراقَبةً وتُلاحَق بالشك والريبة دائماً.

تبدأ الفتاة منذ بلوغها، البحث عن الزوج، فهي قد تعلَّمت منذ طفولتها شؤون البيت، وكانت هدية أعياد ميلادها دميةً تخيط لها الملابس وتحممها.

لقد حددوا لها حلمها وطموحها بأن تصبح صاحبة بيت وأماً لأطفال كثيرين دون أن يكون طموحها الحقيقي الشهادة العلمية. وإن حدث وحصلت عليها، يبقى الزواج حلم الكثيرات من الجامعيات ويتألمن إن لم يحدث الزواج المرتقب، فلقب "عانس" خطير ومُؤذٍ جداً لوجدان المرأة العربية.

الشرف عود ثقاب وبقعة دم

تحرص الفتاة على بكارتها فهي القيمة الأهم في عرض الزواج، تستند إلى المقولة الأشهر: "الشرف عود ثقاب لا يُشعل إلا مرة واحدة"، وشرف المرأة هذا مختزل بين فخذيها. فتكبر وهي تحيط فرجها بهالة من القداسة لا تنتهي إلا ليلة الدخلة ببضع نقاط من الدم.

ويعمل المُشرّع في بعض الدول العربية على ضرورة عذرية الزوجة والمضمَّنة في العقد، ويحدث أن يُبطل القاضي عقد القران إن لم تكن المرأة بكراً، كما حدث مؤخراً في محاكم تونس.

تعتبر جنسانية المرأة خطراً على سلامة وعفة المجتمع فهي مصدر للشر والفتنة؛ لذلك تُعامل في أغلب الأحيان كمتاع جنسي تابع لسلطة العائلة والمجتمع.

هكذا لا تعرف المرأة شيئاً عن حقوقها الجنسية ولا تطالب بها، ويمكن أن تموت دون أن تعرف أن هناك مَن تولد دون غشاء بكارة ودون أن تبلغ يوماً النشوة فهي حكر على الرجل، والحديث عن هذا أمر مخلٌّ بالأدب والشرف.

إنه مجتمع الذَّكر يسوده، مرتكزاً على جنسه ويهيمن على الأخلاق وعلى النساء.

أما مجتمع النساء فحدَث ثانوي لا يحدث إلا في فضاءات حميمية مغلقة، فالمرأة لا تملك إلا بيتها مملكة لها، تحدد فيه بعض القرارات ولا يمكن أن تعرض مكانتها الاجتماعية والاقتصادية إلا في مجتمعات أنثوية منفصلة عن الفضاء العام، تجتمع بمثيلاتها في الحمام أو بالسوق أو الأعراس للتباهي بما تملك، سواء كان زوجاً أو مصوغاً.

وإن خرجت المرأة إلى سوق العمل فهي ليست على قدم المساواة مع الرجل، ففي بعض الدول العربية ما زال فرق الأجر بين الرجل والمرأة شاسعاً جداً؛ إذ تصل النسبة إلى 41 في المائة بالأردن وإلى 31 في المائة بتونس و35 في المائة بالكويت في القطاعين العام والخاص، وتحتل سوريا واليمن المرتبتين الأخيرتين حول الفجوة في الأجور بين الجنسين، حسب تقرير المؤتمر الاقتصادي العالمي الصادر سنة 2014.

تشارك المرأة في أغلب مصاريف البيت، ولكن يبقى القرار الوحيد للرجل، فهي شريك في المصاريف محروم من حق تقرير المصير، لا يحق لها التصرف في القرارات الكبرى، تنتظر الرجل لحل الإشكاليات.

إنها تعي أنها الأقل، وتستبطن أن المنقذ رجل جنسه ذَكر؛ لذلك الرئيس رجل والإمام رجل.

هل يمكن للموءودة أن تحلم بمنصب رئيس في المجتمعين العربي والإسلامي؟

لقد وصلت بناظير بوتو إلى منصب رئيس وزراء باكستان وانتهى الأمر بتصفيتها سنة 2007. وانتهى حلم بثينة كامل بكرسي الرئاسة في مصر سريعاً، فهي لم تطمح إلى أكثر من تقديم برامج جديدة للمرأة والأسرة في الإعلام لعلها تحقق ضغطاً يؤدي إلى إقرار بعض حقوق المرأة المهضومة في مصر، فالكرسيُّ للحاكم الذَّكر حامي حمى الوطن، والدِّين مسؤولية معقدة لا يمكن أن يتحمَّلها الجنس اللطيف.

هكذا يُختزل الوعي الجمعي المرأة؛ جنس لطيف تلخَّص مهمته في الجنس وإشباع رغبات الذَّكر، وفي التناسل وحفظ استمرار المجتمع.

لو حدث وسألت يوماً امرأة تروم التحرر وترفض وضعها في هذا المجتمع عما حلمت أو تحلم، فستجيبك: "ليتني لم أُولد هنا أو ليتني أسافر من هنا".

"ليتني" كلمة تختزل الكثير من أشجان المرأة في المجتمع الذكوري الذي تنتمي إليه.

ميم

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خولة الفرشيشي
كاتبة تونسية
خولة الفرشيشي باحثة جامعية في علوم التراث، لها كتاب حول ثقافة الجسد، تنشط وتكتب حول قضايا المرأة والشباب في تونس.