(1)
رفع الكفاءة القتالية حسب أوامر السيد الرئيس والسيد وزير الدفاع
تحت هذا الشعار بدأت تدريبات اختراق الضاحية، نظر لي صديقي فرحاً، وانفرجت أساريره قائلاً: "اظّاهر كده إحنا بنتغير بجد"، ودارت أيام قليلة وحدث الهجوم الإسرائيلي على غزة، تجمع العساكر في العنبر ليلاً حول المذياع؛ لينصتوا إلى خطاب محمد مرسي، الرئيس الأسبق، كانوا يتفاعلون بسذاجة مفرطة اختتموها بهتاف بسيط: "هنحارب.. هنحارب"، وكأنني في فيلم من أفلام الحقبة الناصرية، كنت سعيداً بالحالة، ومبتسماً لشاعرية الموقف الذي ليس له علاقة بالواقع، فبالتأكيد لن نحارب.
(2)
المياه مقطوعة
قبل العرض العسكري الذي نعلن به انتهاء فترة التدريب بـ48 ساعة انقطعت المياه عن المعسكر إلا مياه الوضوء في المسجد، كان الوضع مأساوياً للغاية، وسبحان الله عادت المياه بعد انتهاء العرض بـ5 دقائق! كانت مقطوعة لتحافظ على نظافة دورات المياه جافة حتى تنتهي الزيارة وحفلة العرض، يا محاسن الأقدار!
(3)
بعد انتهاء العرض العسكري، كانت إجازتنا الميدانية الأولى، ثم العودة محمّلين بالحنين إلى المدنية ورغبة في إنهاء المعسكر التدريبي سريعاً للاستقرار في وحدة أساسية، الانتظار دون أي تدريب أو استعداد كان مملاً، الوقت يمر ببطء شديد في انتظار المندوب الذي سترحل معه إلى مستقرك الأخير داخل القوات المسلحة.
(4)
نقطة ترحيل
جاء المندوب يحمل معه تصريحاً بإجازة 3 أيام، على أن نعود إلى نقطة الترحيل بعدها، وشدّد على ألا نستقل أي مواصلة إلا القطار الحربي من محطة كوبري الليمون.
ذهبنا إلى كوبري الليمون، واستغرقت رحلة الوصول 7 ساعات، رحلة لا تتعدى الـ3 ساعات استغرقت 7 ساعات في قطار متهالك غير آدمي يمشي على مهل كمشية عجوز في أواخر عمره.
(5)
"وكل يوم فِ حبك تزيد الممنوعات"
استقبلنا صف الضباط بالتفتيش الدقيق، وتخيل أنك تنثر محتويات المِخلة التي أغلقتها بصعوبة شديدة، وتجمعها مرة أخرى في أقل من 5 دقائق وسط التعنيف الشديد والصوت العالي بلا أدنى سبب، كل شيء كان ممنوعاً: الكتب والأقلام والأوراق ممنوعة منعاً باتاً!
لماذا يا صول…؟
ﻷن العساكر بنت الـ… بتكتب على الحيطان، والعساكر اللي عايشة في دور طه حسين وبتكتب مذكراتها.
ثابت.. اتحرك.. ثابت.. اتحرك… ثابت.
قالها سريعة متتالية وهو يراقب سرعة ردة الفعل والالتزام، ثم أخيراً سننام بعد رحلة شاقة.
عسكري: يا صول ز… مفيش لوكر عشان نحط المخلة؟
صول ز: مفيش يا عسكري، احضن مِخلتك وانت نايم واللي هيتسرق منه حاجة ما يجيش يشتكي، كلكم في بعض بتسرقوا من بعض.
عسكري آخر: مفيش غير 3 مُلل في السرير.. أعمل إيه؟
صول ز: اتصرف يا عسكري، انت فاكر نفسك في نزهة عسكرية.. انصراف.
دخلنا الميس لتناول وجبة العشاء، رائحة العدس كادت تخنقنا، ولا أحد يأكل.. صمت رهيب بين 120 عسكري مؤهلات.
صحيح أن مستوى الطعام كان سيئاً في معسكرات التدريب لكن لم يكن بهذا السوء، نظر إلينا الصول ز قائلاً: ما بتاكلش ليه يا جندي؟ بالأمر كُل.
(6)
أشغااااال
كنا نقضي النهار بين الأشغال والليل في الخدمة، والأشغال هي أعمال مثل: السباكة والحدادة والمخبز أو العِتالة (تحميل العربات بالمهمات وتفريغها)، أعمال الحفر، تنظيف غرفة القائد، وتشجير ما حول الاستراحة… وهكذا.
لا نعلم متى سنحظى بالإجازة المنتظرة، فنحن في نقطة الترحيل التي ليس لها قانون، وفي انتظار مندوب ينقلنا إلى مستقرنا الأخير.
الأشغال كانت مرهقة جداً، ويا بَختك ويا سَعدك يا مَن فُزت بنبطشية الحمام، أي تنظيف الحمامات كان الحلم المنتظر ﻷي عسكري يريد الفكاك من أعمال الشيالة والحفر وما يشبهها.
جلست في طابور الصباح ذات مرة أراقب طيور النورس، كنت أحسدها بحق على حريتها التي لا يعيقها عائق، حتى قطع شرود ذهني صوت الصول ز، وقرر تكديري بشيل القمامة وحيداً حتى لا أشرد مرة أخرى وأنا في الطابور.
(7)
الخدمة
نصطف ليلاً ليتم توزيعنا على نقاط الحراسة، كانت الخدمة مضحكة ومرهقة جداً؛ نظراً لتناقص أعدادنا لفوز بعضنا بإجازات بالواسطة العظيمة، فبدلاً من نزولك الخدمة كل 3 أيام أصبحت كل يومين ثم كل يوم، حتى تتمنى أن تفرد جسدك المنهك على السرير فقط هذا سقف الطموح الأعلى.
لم يكن من حقنا تسلّم سلاح؛ ﻷننا ما زلنا تحت الترحيل، فكان المضحك جداً أننا نقف للحراسة حاملين عصا خشبية، بل ونقوم بتوقيف ضباط الصف أو عساكر الأمن الذين يمرون لمراقبة الخدمة.
كنت أقضي أيامي بين محاورات النورس وسماع إذاعة صوت العرب، والغناء التلقائي الغريب مخطط لأغنية الشريعي "يا قبضتي دقّي على الجدار.. لحد ليلنا ما يتولد له نهار.. يا قبضتي دقّي على الحجر.. لحد ما تصحى جميع البشر".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.