بين أحلام اتسعت وذاتٍ كدتُ أفقدها .. كانت بصمة فيسبوك على حياتي

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/12 الساعة 07:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/12 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش

قبل نحو عشر سنوات أو يزيد كان جيلنا، جيل التسعينات خاصة، على موعد مع تغيير جوهري بحياة الجميع تقريباً، فمع انطلاق فيسبوك بعالمنا العربي بات هو شغلنا الشاغل وأثّر بحياة الكثيرين بشكل ملحوظ.

فاتسعت دائرة معارف الكثيرين وتغيرت أحلامنا، بعض تلك الأحلام حالفها النجاح وتربع الحالمون بها على عرش الناجحين بمجالاتهم العملية، بينما لم يوفق آخرون لأسباب عدة منها المتعلق باتساع رقعة أحلامهم مقارنة بإمكاناتهم وظروفهم الشخصية، أو لأسباب خارج إرادتهم، وآخرون كانت نظراتهم لحياة الآخرين ومحاولة المشي على خطاهم أو تقليدهم سبباً رئيسياً في فشل حياتهم على أصعدة عدة.

لا أُخفي أنني كنت إحدى المهووسات بفيسبوك وقت انطلاقه وتركت، كغيري، المدونات والتدوين ولجأنا إلى عالم فيسبوك المتسع، ولا أُخفي أيضاً أن أحلامي ودائرة معارفي وأصدقائي ومصادر معلوماتي أخذت في الاتساع بشكل كبير مع مرور الوقت ومع ازدياد سيطرة فيسبوك والشاشات الصغيرة على عالمنا.

إيجابيات عدة تركها فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بنفسي، إلا أنها أحدثت نوعاً من الصدمة أيضاً، فمع اقتراب تلك المواقع من تملكها لذاتي وإحكامها قبضتها عليّ وعلى أحلامي وسير حياتي بشكل طبيعي، أوقفتُ نفسي عنوة! ما هذا؟ إنه محض عالم افتراضي لا ينبغي أن يسيطر عليّ كلية، وما الأسباب التي تدفعني أن أستيقظ ليلاً عدة مرات حتى تحرك أصابعي الشاشة الصغيرة لأعلى ولأسفل فأعرف الجديد وما يدور بدائرة أصدقائي؟

ولماذا تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى جزء أساسي من يومي، بل وسابق لأهم المهم المطلوب منّي إنجازه، وبالأحرى قدمته على ما خططت لإنجازه بيومي فأجدني -وبلا وعي-  أمضي ساعات طوالاً أتصفحه وأضحك من كتابة أحدهم وأشعر بالحزن لكتابة آخر وتتملكني الشفقة على آخرين؛ كل تلك المشاعر المتباينة في اللحظة ذاتها.

وجدتني فقدت المشاعر الصادقة، أو بمعنى أدق فقدت الإحساس العميق بالمشاعر من فرح أو حزن وحتى اللامبالاة فقدتها، باتت حالة نفسية لا أجد لها تفسيراً تسيطر على داخلي، وجدتني على أبواب أن تصبح نفسي مبهمة ولا أستطيع أن أدرك ما أمر به ولا كيف أتخلص منه.

ناهيك عن الأمراض النفسية المنتشرة بين رواد الموقع الأزرق، والخوف من الحسد والعين! لماذا بالأساس أدخلتم أنفسكم لهذا العالم طالما لا تستطيعون أن تكبحوا جماح أمراضكم النفسية؟ لماذا تنقلونها لنا بقصد أو دون قصد؟

أكاد أجزم أن دائرة معارفنا المقربين وأصدقائنا الفعليين تقلصت بشكل كبير مع ارتباطنا بتلك المواقع، فباتت مشاعرنا باهتة وتواصلنا طفيفاً، اللهم عبر كلمات أو حروف رُصت بجوار بعضها في التعليقات أو في الرسائل.. فلماذا إذًا أدخلنا أنفسنا بتلك الدوامة دون أن نشعر أو ندرك مخاطرها؟

الحل لا يكمن في الابتعاد كلية عن تلك العوالم، التي لها أيضاً إيجابيات عدة، بل على كل منا أن يجد ضالته التي فقدها ونفسه التي يبحث عنها بين جنبات العوالم الافتراضية.. فتنظيم حياتنا الواقعية، وتعمق تواصلنا على أرض الواقع وإدراك أن تلك العوالم ومن عليها هم افتراضيون لا يمكن أن يكون لهم تأثير جوهري إيجابي بحياتنا، إلا قليلاً.

بالأخير أدركت أن ذاتي موجودة على أرض الواقع بين أسرتي وأصدقائي الفعليين، ذاتي وجدتها عندما استوى لدي أن أدخل إلى فيسبوك بشكل يومي أو أنقطع عنه لأيام وربما لأسابيع بإرادتي أو لخارج إرادتي، ولا أشعر أن أفتقد أن أتصفحه أو أطلع على ما يدور عليه وبين رواده.

في النهاية.. نحن جيل سُرقت منه أفضل أيامه، وريعان شبابنا فقدنا زهوتها وإشراقها مذ سيطرت العوالم الافتراضية وما نسميه مواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا، ومنذ أصبحت سعادتنا وتمضيتنا ليومنا مرهونة بالتصفح عليه حتى تحول الأمر إلى إدمان بعدما كان تسلية ومصدراً للمعرفة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هاجر حسونة
صحفية مصرية
تحميل المزيد