على طريقة عبدالعاطي.. كيف تحوّل همومك إلى كفتة؟ فريدا كاهلو نموذجاً

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/09 الساعة 08:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/09 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش

أصيبت بشلل الأطفال في الصغر، عرجاء مكسيكية هجين من أب ألماني وأم نصف مكسيكية، بعد أعوام من خدمة أبيها المصاب بالصرع، الذي قام على تعليمها فنون الأدب والفلسفة، قررت المكسيكية فريدا كالو أن تتجه لمدرسة الطب لتصبح طبيبة، ولكن لم يحالفها الحظ، فقد أصيبت في حادث ارتطام قطار وسيارة وقُذف بها خارجاً من وقع الارتطام، وسقطت على الدرابزين الحديدي فاخترق عمودها الفقري من الخلف؛ ليخرج من الأمام مخلفاً وراءه كسوراً في الحوض والعمود الفقري والرقبة، وتفتت قدمها الأعرج وخمسة وثلاثين عملية جراحية وآلام مبرحة ومزمنة طيلة حياتها.

قررت فريدا أن تغير طموحها في اللحاق بمدرسة الطب، وأن تستكمل مسيرتها كرسامة؛ لتصبح بعد وفاتها أيقونة للرسم السيريالي في المكسيك وربما في العالم أجمع!

رسمت فريداً ما يعادل مائة وثلاثاً وأربعين لوحة، وثلث لوحاتها تقريباً لها شخصياً، تجسد معاناتها مع الألم، ووحدتها، وعدم قدرتها على مزاولة نشاطها المعتاد أو حتى إطعام نفسها، ورسمت أيضاً صوراً لها ولزوجها الفنان دييجو ريفييرا بعد انفصالهما ثم عودتهما معاً من جديد.

في إحدى لوحاتها رسمت نفسها وهي ممدة في الفراش وصحن ضخم مليء بحيوانات تؤكل وأسماك وطيور وفاكهة، وقد نزل من الصحن أنبوب طويل تتدفق فيه عصارة تلك الأشياء إلى فمها، وشفتاها ممدودتان في استسلام دون قدرة منها على الحراك لالتقاط الطعام.

من أشهر مقولاتها: "لا تصنع جدراناً حول ألمك، وإلا التهمك الألم من الداخل".

الرسالة واضحة، عبروا عن آلامكم… اكتبوها أو ارسموها أو حولوها لإبداعات ولوحات على الجدران، وربما لن تجدوا مستمعين جيدين لقصتكم الآن، ففريدا نفسها لم تعرف باسمها قط طيلة حياتها، بل كانوا يلقبونها بزوجة ريفييرا حتى لمع نجمها في أوائل السبعينيات ثم في التسعينيات بعد وفاتها بعشرات الأعوام.

فريدا ليست المثال الوحيد لشخص حول آلامه لإبداع يحكي عنه التاريخ، بل هناك مَن حوّلوا آلامهم لآمال وأموال وإبداعات يتغنى ويحكي بها الملايين على سطح البسيطة وبكل اللغات.. إنها العظيمة جي كي رولينغ، كاتبة سلسلة هاري بوتر الشهيرة، التي وجهت كل إحباطاتها وآلامها بعد فشل زواجها وفقدانها لوظيفتها وبقائها مفلسة على شفا أن تصبح من المشردين، إلى سطور على ورق يسعى لشرائه الملايين، ويقرأ لها الملايين من كل الأعمار، بل ويشاهده المليارات على شاشات التلفزة بكل اللغات.

بالطبع لا يمكننا تحويل همومنا إلى وجبات، لا يوجد شيء من هذا القبيل، وفي نفس الوقت إنها ليست طُرفة من باب الدعابة، فهمومنا في العموم يمكننا أن نحولها إلى أشياء أخرى ذات قيمة تجلب لنا سعادة مشابهة لسعادتنا بأطعمتنا المفضلة، سعادتنا بالإنجاز أو سعادتنا بعمل شيء خلاق مبتكر لم يقدمه أحد من قبل.

أذكر جملة قالتها المطربة العالمية ليدي جاجا؛ حيث قالت في أحد لقاءاتها: إننا جميعاً خُلقنا نجوماً، الكل مميز .. فقط نحتاج أن نبحث في دواخلنا عن أفضل شيء يكسبنا السعادة بممارسته، وحتماً سيكون الشغف هو نقطة انطلاق النجم الذي بداخلنا.

ربما ظننت من كلماتي أن الموهبة والإبداع مقتصران فقط على الغرب دون العرب، هذا غير صحيح، فالأديب العالمي نجيب محفوظ لم يتلقّ حظه من النجاح ولم يجنِ ثمار الشهرة جملة واحدة، بل بعد كتابه الخامس وللمفاجأة رفضوا نشر روايته الأولى؛ لأنها "داهية" كما وصفوها لضخامتها ولا يوجد دار نشر ستقبل بتلك "الداهية"، وأُحبط الأديب الكبير وتوقف لفترة عن ممارسة شغفه بالكتابة حتى توسط أحد أصدقائه لدى صحفي بإحدى الجرائد أن يقوم بنشر روايته على أجزاء في عمود بالجريدة بشكل أسبوعي، ولاقت الفكرة رواجاً، وزاد قراء الجريدة وارتفعت مبيعاتها بسبب "الداهية" في العمود الأسبوعي، وهنا كانت نقطة الانطلاق.

عزيزي المهموم.. حوّل همومك إلى شيء تراه بعينك وتصنعه بيدك، وإن هوجمت ولفظوك فقط لا تتوقف.. ربما لم يولد جمهورك بعد!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
شامة عمران
مُترجمة تعيش بأمريكا
تحميل المزيد