أين أنت يا صلاح الدين؟ أين أنتم أيها الشباب من جيل صلاح الدين؟ هل تظنون أن النصر سيتنزل عليكم؟!
نشأت في بيئة عربية تجلد فيها تلك العبارات آذاننا، وكثيراً ما كانت تستفزني مقولة إن علينا إعداد جيل صلاح الدين، حتى إنني وأنا طفل كنت أغار من صلاح الدين، لم أكن أدري ما خصائص هذا الجيل، هل يطير في الهواء أم يمشي على الماء، المهم أن هناك جيلاً خارقاً يجب تجهيزه لمهمة خارقة… وبالتأكيد كانوا يلقنوننا أننا لسنا هذا الجيل!
لكنني أظن أن العالم العربي اليوم أدرك أنه ليس بحاجة لأن ينادي ليل نهار على صلاح الدين، عليه فقط أن ينادي على نفسه ويستعين بربه، فقد أثبتت الشعوب أنها يوم تتحرر عقولها وإرادتها تتدفق أمواجاً لتغرق كل متكبر جبار.
كما أثبتت الأحداث أننا لا نحتاج تلك المواصفات الخيالية التي رسمها جيل قبلنا أراد أن يصعب علينا المهمة؛ ليقول لنا: أنتم لستم جيل النصر… انظروا كيف كان جيل صلاح الدين!
ولنفرض أن جيل صلاح الدين كان جيلاً خيالياً مثالياً، هل هؤلاء الأقزام الذين نواجههم يحتاجون جيلاً بهذا القدر من المواصفات الفذة لإزاحتهم؟! أم أن المهمة تحتاج مواصفات دون ذلك بكثير مع امتلاك أدوات العصر والوعي بطبيعة المهمة المطلوبة والإصرار على تنفيذها؟! الحمد لله أن صلاح الدين لم يستجب لصرخاتنا؛ لأنه كان سيصرخ فينا: هل هؤلاء من تستغيثون بي لردهم على مدار عشرات السنين؟! توقعت أن أجد شيئاً يستحق خروجي… ألا تعلمون من أنا؟!.. قلة أدب!
لطالما تعجبت هل نحن لا نستحق عون السماء ونصرها بينما يستحق هؤلاء الأوباش الظلمة أن يجلدوا ظهورنا ويُمَكَّن لهم؟! نحن ملائكة مقارنة بهم.. كيف لا ننتصر؟!
عندما يختل التصور، وتوضع معايير للنصر والهزيمة من اختراعات بشرية، ثم تروج باعتبارها مسلمات تهتز لها الرؤوس تأثراً، تكون هنا الفاجعة؛ حيث تصبح الخطة ترحيل القيام بالواجب إلى أجيال تالية، والسبب أين نحن من جيل صلاح الدين؟!
لقد حولوا صلاح الدين إلى شبح يعمل ضدنا، فهو سراب لن نصل إليه مهما فعلنا، ونحن في ذات الوقت مطالبون بالوصول إليه، ياللسخافة!
لسنا بحاجة إلى صلاح الدين لينقذنا، بل قد لا نكون بحاجة إلى الجيل الذي يلينا ليتم المهمة؛ لأن مهمة تحرير أوطاننا في وسعنا وليست فوق طاقتنا، والوقت لا يزال في صالحنا كشباب، وعزائمنا متقدة، وجذوة الشباب مستعرة في صدورنا، وجيلنا قادر بإذن الله على أن يحقق طموحاته، فواقع أمره يشهد بذلك، ولو قام صلاح الدين من مرقده سيبهره ما أنجزه العرب في أيام قياسية وهم يزلزلون العروش، ويملأون الدنيا ثورة وتغييراً.
أُقَدِّر صلاح الدين، وأعتذر له عن المأزق الذي وضعه فيه بعض الطيبين؛ حيث أصبح مطالباً بتحرير العالم، وتحول من أداة تحفيز إلى أداة تعجيز، وأقول له مطمئناً: يا صلاح الدين.. نحن لا نحتاجك فنحن أهل للمهمة، وأهلا وسهلاً بك على كل حال سائحاً لا محرراً!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.