هل هذا حقاً فيلم مصري؟!
سؤال تردد وسط تعليقات كثير من الشباب المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي عقب مشاهدتهم للإعلان الدعائي القصير للفيلم المصري "حرب كرموز" المنتظر عرضه في موسم عيد الفطر القادم.
بين بطل مصري هو أمير كرارة وآخر عالمي هو سكوت آدكنز، فريق تمثيل مساعد أغلبه من النجوم وعلى رأسهم الممثل الكبير محمود حميدة، إنتاج سينمائي ضخم يقف وراءه المنتج المصري الشهير محمد السبكي، ومخرج شاب هو بيتر ميمي الذي ارتبط اسمه مؤخراً بعدد من الأعمال الناجحة على المستوى الجماهيري والموصومة بالنقل عن أفلام أجنبية على المستوى النقدي، نحلل معكم ما الذي يمكن أن يجعل من حرب كرموز وخصوصاً على المستوى الجماهيري أنجح أفلام موسم عيد الفطر القادم؟
السبكي يواكب جمهور الألفية الجديدة
المفاجأة جاءت منذ تتر البداية الذي تصدره اسم "السبكي" للإنتاج الفني، السبكي الذي مثل اسمه علامة شهيرة لأفلام المقاولات ثم أفلام المناطق الشعبية ذات الحبكة الرديئة والتي يتخللها دائماً أغنية شعبية والكثير من الرقص، يحاول مؤخراً أن يواكب ذوقاً مختلفاً لجمهور شبابي جديد.
جمهور شبابي يقبل بشدة على الإنتاجات غير العربية التي تنتمي لنوعية الأكشن والتشويق، والتي تدور بشكل خاص في سياق تاريخي قديم، حقيقي أو خيالي، ولا مثال أوضح من متابعة جمهور عربي ضخم لمسلسل "لعبة العروش" من إنتاج شبكة HBO الأميركية، بأجزائه المتعددة التي تمثل قصصاً لا يمل منها هذا الجمهور.
يضاف لذلك مثال آخر قادم هذه المرة من تركيا مع مسلسل "أرطغرل" الذي يتتبع معارك بطلها قائد تركي في زمن ما قبل الدولة العثمانية، ويحظى مؤخراً بمتابعة متميزة من جمهور عربي شبابي كبير.
بدأ التغيير يدق أبواب السينما الجماهيرية المصرية في العام الماضي، حينما أنتج السبكي فيلم "هروب اضطراري" من بطولة أحمد السقا وأمير كرارة وفتحي عبد الوهاب وغادة عادل، فيلم ينتمي بشكل مكتمل للأكشن والتشويق والمطاردات.
حقق الفيلم أعلى إيرادات الموسم، قبل أن يتفوق عليه قرب نهاية العام فيلم آخر من نفس النوعية هو فيلم "الخلية" من بطولة أحمد عز.
الآن يراهن السبكي مرة أخرى على الأكشن، ويضيف له في فيلمه الجديد "حرب كرموز" سياقاً تاريخياً مصرياً، ويجمع في بطولة فيلمه بين نجمه المصري "أمير كرارة" وبطل عالمي في فنون القتال هو الإنكليزي "سكوت ادكنز"، بطل سلسلة أفلام الأكشن الشهيرة "Boyka".
باشا مصر في مواجهة بويكا
هذه المواجهة هي التيمة الأبرز التي يستند إليها كل من منتج الفيلم محمد السبكي ومخرجه بيتر ميمي لجذب الجماهير، مواجهة أحد طرفيها هو أمير كرارة الذي ربما لم يكن نجماً سينمائياً من الطراز الأول، ولكنه عوض ذلك بنجاح جماهيري كبير في رمضان الماضي بمسلسل "كلبش" الذي أدى من خلاله دور ضابط شرطي مصري، واشتهر من خلاله بلقب "باشا مصر"، يعود كرارة مرة أخرى في "حرب كرموز"؛ ليؤدي دور ضابط شرطة يشبه كثيراً دوره في "كلبش"، ولكنه في سياق تاريخي قديم، وبالتحديد في عصر الاحتلال البريطاني للأراضي المصرية؛ ليتحول أمير كرارة بشاربه المميز هذه المرة إلى بطل قومي يواجه المحتل الأجنبي.
شرير أجنبي قوي يواجه هذا البطل المصري، يبدو كرجل ضخم غير قابل للهزيمة، يبدو اختيار الممثل الإنكليزي سكوت ادكنز، الذي يعرفه غالبية الجمهور المصري باسم بويكا -اسم شخصيته الأشهر في سلسلة أفلام حملت نفس الاسم- ذكياً للغاية لأداء هذا الدور، فهو مقاتل عنيف بالفعل، فضلاً عن شهرته الواسعة وسط جمهور أفلام الأكشن والحركة، بحيث سينتظر الجميع مشاهده القتالية، التي ستصل ذروتها بالطبع في مواجهته المباشرة مع الضابط المصري أمير كرارة.
نجوم في أدوار مساعدة
بالإضافة لبطلي الفيلم أمير كرارة وسكوت ادكنز، يظهر العديد من النجوم في الإعلان الدعائي في أدوار مساعدة. "محمود حميدة" هو الوجه الأبرز بين هؤلاء، الممثل المصري الكبير صاحب العديد من الأدوار الأيقونية، الذي يمكننا استدعاء أحدها هنا وهو دوره في فيلم "شمس الزناتي"، شخصية المحارب الذي يُغير على سكان أحد الواحات ليسرق قوتهم، "المارشال برعي" الذي ظل حاضراً في أذهان العديد من محبي السينما طوال كل هذه السنوات، يعود مرة أخرى هذه المرة في زي محارب شعبي في زمن الاحتلال البريطاني، نراه في لقطة عابرة وسط الإعلان الدعائي لحرب كرموز، ننتظر منه إضافة كبيرة على مستوى الأداء الدرامي وسط طوفان من مشاهد الأكشن، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى له مع المخرج بيتر ميمي، فقد تعاونا معاً من قبل في الموسم الأول من مسلسل "الأب الروحي".
بالإضافة لمحمود حميدة يظهر أيضاً كل من: مصطفى خاطر الممثل الذي اشتهر عقب ظهوره في "مسرح مصر" ليثبت نفسه عقب ذلك كممثل جيد على مستوى الدراما كما هو على مستوى الكوميديا، وفتحى عبد الوهاب الممثل صاحب الموهبة الكبيرة، وهما أيضاً من أبطال "هروب اضطراري"، الذي يبدو أن السبكي يتفاءل بتواجد أكبر كم من أبطاله في هذا الفيلم، حتى إن بطله الأول أحمد السقا يظهر كضيف شرف في أحد المشاهد.
وعلى مستوى البطولة النسائية تظهر غادة عبد الرازق في دور لا يمكننا التنبؤ بماهيته بعد، والذي قد يكون إحدى نقاط قوة الفيلم إذا ما أضاف لحبكته خطاً درامياً غير متوقع، وقد يكون أبرز نقاط ضعفه إذا ما كان تواجدها فقط لمجرد تواجد وجه نسائي لبطلة اشتهرت بأدوار الإغراء غير المبرر على مستوى الحبكة في كثير من الأحيان.
بيتر ميمي في كل مكان
يبدو أننا نعيش فترة انتشار ونجاح جماهيري متتالٍ للمخرج المصري الشاب بيتر ميمي، وهو خريج كلية الطب جامعة القاهرة يقدم في رمضان القادم الجزء الثاني من مسلسل كلبش عقب النجاح الكبير الذي حققه برفقة بطله أمير كرارة في رمضان الماضي، يثبت بيتر الآن أقدامه تدريجياً في الوسط الفني المصري عقب مرحلة شهدت إخراجه لأفلام "الهرم الرابع"، "القرد بيتكلم" والجزء الأول من مسلسل "الأب الروحي".
يبدو أسلوب بيتر ميمي الإخراجي مبهراً على مستوى مشاهد الحركة والأكشن، لكنه يفتقد دائماً للنص الجيد، ولذا يظهر بوضوح لجوؤه الدائم للاستعارة والنقل من أعمال أجنبية، خاصةً أنه يميل لكتابة الأعمال التي يُخرجها بدلاً من الاستعانة بمؤلف متخصص.
يتكرر الأمر هنا في "حرب كرموز"؛ حيث يظهر وللمرة الأولى محمد السبكي نفسه كمؤلف للقصة ويشاركه بيتر ميمي كما هو متوقع ككاتب للسيناريو والحوار. ربما ستكون هذه هي نقطة ضعف الفيلم الأهم.
المخرج بيتر ميمي
خطوة للمستقبل أم كليشيه في ثوب جديد؟
هذا هو السؤال الذي يمكننا طرحه في ختام هذا المقال، فموجة أفلام الأكشن المصرية التي تحقق إيرادات كبيرة مؤخراً يمكنها أن تكون بمثابة الحل لصناعة السينما التي مرت بأوقات صعبة في السنين الأخيرة؛ حيث تحولت معظم سينمات مصر لقاعات أفراح نتيجة لقلة الأفلام المعروضة وتواضع مستواها وإحجام الجمهور عنها.
الأكشن له جمهوره، وصناعة أفلام من أجل المتعة والترفيه أمر مهم لصناعة السينما المصرية في مثل هذه الأحيان.
ولكن ما ينتظره هذا الجمهور المحب للأكشن هو معارك مصممة بحرفية، أزياء وديكورات مبهرة، وحبكة وإن كانت بسيطة ولكنها تحقق القدر الأكبر من التشويق، هذا جمهور يكره الكليشيهات بشدة ولن يصلح معه تكرار حبكة البطل المصري الذي يضرب عشرة رجال بيد واحدة، ويبدو أن انتصاره في النهاية أمر محسوم بشكل مسبق، هذا ما سننتظر ألا يقع فيه صناع "حرب كرموز"، الذي يبدو أنه سيكون المنافس الأهم في موسم عيد الفطر القادم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.