مرت 50 سنة على خطاب إينوك بويل "أنهار الدم"، ومرت 25 سنة على مقتل ستيفن لورانس، وخمس سنوات منذ مقتل والدي العزيز في هجومٍ عنصريٍ على يد إرهابيٍ أبيض.
مع كل شخصٍ غال تفقده، تتلاشى مكتبة من ذكريات الأمل والمحبة. نهاية هذا الأسبوع، تصادف الذكرى السنوية الخامسة لوفاة والدي محمد سليم، الذي قتل بوحشية على يد إرهابي من النازيين الجدد، بافلو لابشين، مفجر المسجد.
ما الذي تعلمناه طيلة هذه الحقبة؟ ما هي الدروس المستفادة لأطفال المهاجرين واللاجئين الشجعان وأطفالهم؟ محكوم على كل من لا يتعظ بدروس الماضي، تكرار نفس الإخفاقات.
قصة والدي وكل من هم مثله:
الدروس متناقضة، قصة هجرة والدي نموذج لقصة نجاح دائم ومأساة مروعة. كان والدي ابناً للإمبراطورية البريطانية وخروجها من الوهم، كان آسيوياً بريطانياً منذ نهاية القرن العشرين وحتى بداية القرن الحادي والعشرين، ثم بدؤوا يصفونه كمسلمٍ. وبذلك بدأت عملية تحويله إلى "الآخر"، التي تعتبر شكلاً من الإسلاموفوبيا المحددة التي بدأت في تشكيل العالم، تزامناً مع اندلاع سلسلة من الحروب التي بدأت بدورها في تشكيل هذا القرن، ورسم صورة زائفة عن الإسلام.
إن ما يسمى بصدام الحضارات، الذي يطلقون عليه "الحرب على الإرهاب"، حوّل مليارات المسلمين في العالم إلى كتلة متجانسة من الأعداء. هذه خلفية مقتل والدي، الذي قُتل بتلك الوحشية على يد إرهابي في شوارع المملكة المتحدة.
سُرِق أبي من حضن بناته وأبنائه وأحفاده وأحفاد أبنائه، لكنه سيظل دائماً بيننا. إن ما يدفعُني اليوم ويُحفزني للنضال الدؤوب هو ذكراه وروحه، التي حملته من باكستان إلى العالم، الذي منحه وقته وشَغفه وحبه وإيمانه.
قَدِم والدي إلى بريطانيا في الخمسينيات من القرن الماضي، مع وصول المهاجرين بعد الحرب أملاً في فرص وحياة أفضل، لكنه قوبل بموجات من العنصرية والعداء – وهو مناخ لا زال قائماً حتى اليوم، لكن برغم ذلك، لم يسمح والدي أبداً لدى وصوله عام 1957، للمشاكل أو الإساءات العنصرية بالتأثير عليه وصياغة شخصيته، أخذ على عاتقه طوال حياته، مهمة تعليم من يحيطون به، وتقاسم ثقافة بلده باكستان التي تعني "أرض الطهر"، ونشرها بين كل من جمعه القدر بهم.
كان معظم أبناء والدي من الإناث، ادعى رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بأن الأسر المسلمة تربي نساء خاضعات في العادة، لكن الحقيقة خلاف ذلك، والدليل نحن في عائلتي، كلنا متعلمات، واخترنا بأنفسنا كيف نعيش ونسير شؤوننا بأنفسنا، إن عائلتي بعيدة كل البعد عن الأحادية، بل تتميز واقعاً ببعدها الدولي، إذ تمتد من الفلبين إلى اليابان.
تضافر الكراهية
كان من سوء حظي مقابلة تيريزا ماي في أصعب الظروف – السعي لطلب العدالة من وزير الداخلية السابق، الذي لم يولِ سوى النزر القليل من الاحترام لعائلتي، على النقيض مما أبداه من عناية واحترام أثناء "الأحداث الإرهابية" الأخرى التي كان ضحاياها من البيض والإنكليز، وهذه هي العنصرية بأتم معنى الكلمة.
لقد قللتْ كل من الشرطة ووسائل الإعلام من أهمية تضافر نداءات الكراهية ضد المسلمين، التي بلغت ذروتها بمقتل والدي، بالإضافة إلى مقتل محسن أحمد ومكرم علي.
لم تكن هذه حوادث منعزلة: فقد أدى صعود اليمين المتطرف عبر أوروبا والولايات المتحدة إلى تقديم حجج تبريرية جديدة للكراهية. ومع فرار أعدادٍ غير مسبوقة من اللاجئين من أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا والصومال وباكستان، هرباً من أهوال الحروب، اصطدموا بجدران من الرفض على أبواب أوروبا الحصينة.
لقد أصبح المسلمون هم العدو المستهدف بامتياز. لنأخذ على سبيل المثال القتل الوحشي في عام 2009 للمواطِنة المصرية مروة الشربيني، الصيدلية الحامل التي تعرضت لطعنٍ وحشيٍ، تكرر 18 مرة أمام طفلها الصغير وزوجها، الذي أصيب هو الآخر بطلقة رصاص من أحد ضباط الشرطة الذي التبس عليه الأمر وظن بأنه المهاجم.
نرى نفس الحلقة تتكرر من قبل السياسيين البارزين الذين يثيرون نعرات العنصرية والإسلاموفوبيا أملاً في اجتذاب أصوات الناخبين. يتنافس حزب المحافظين مع حزب استقلال المملكة المتحدة UKIP لإظهار أي منهما أكثر صرامة في مسألة الهجرة. أنتج الشعوبيون العنصريون، مثل رابطة الدفاع الإنكليزية وبيغيدا Pegida، مناخاً ساماً يعبد الطريق للهجمات الإرهابية من قبل أشخاص مثل العنصري لابشين، الذي قتل والدي وزرع قنابل خارج ثلاثة مساجد في ويست ميدلاندز، وتوماس ماير، الذي قتل بوحشية النائبة العمالية جو كوكس.
الهجمات العنصرية آخذةٌ في الارتفاع، في حين تنخفض معدلات الإدانة.
إلقاء اللوم على الأقليات في معظم المشاكل
إن أقلية فقط من المجتمع البريطاني تنحدر من أصول مهاجرة، ومع ذلك يُلقى عليهم باللوم بشكل كبير على معظم مشكلات المجتمع، بحيث أصبح من الشائع ربط الهجرة بأزمة نقص السكن وفقدان الوظائف وارتفاع الجريمة – رغم أن البيانات تشير إلى أن مساهمات المهاجرين كانت لها آثار عكسية تماماً لما هم متهمون به، بدءاً من الأيرلنديين في القرن التاسع عشر إلى الوافدين الجدد من أوروبا الشرقية، لقد قدموا كلهم أكثر مما تلقوا عبر العصور.
لا يجب أن نخطئ التشخيص، كانت تيريزا ماي هي مهندسة المناخ المعادي "للمهاجرين غير الشرعيين"، مما ساهم في فضيحة ويندراش. تشرح هذه الرواية العنصرية الأساليب التي طورتها وزارة الداخلية لمهاجمة المهاجرين والسكان من أصول مهاجرة.
كان ينبغي أن تستقيل ماي ونائبها بسبب مسؤوليتهما في الإهمال المتعمد والاضطهاد للمواطنين البريطانيين، وحرمانهم من حقوق الإنسان الأساسية، مثل الرعاية الصحية والمعاشات، وثمة أدلةٌ واضحةٌ تبين أن وزارة الداخلية سعت لتشويه صورة المهاجرين.
ولأي سبب آخر تركز شاحنات"Go Home" (عدْ من حيث أتيت) التابع لماي، في تواجدها حول المجتمعات متعددة الثقافات الراسخة؟ هذا كفيل ببعث رسالةٍ مفادها أن الجيران ذوي البشرة السوداء والبنية هم المسؤولون عن التقشف الذي يتحمله المواطن. لقد امتصت الأزمة المصرفية العالمية لعام 2008 عشرة تريليونات من الدولارات من الاقتصاد العالمي، وأجريت عملية الإنقاذ في جو من الدعاية، كنا جميعاً ضحاياها، لكنها مست بشكل غير متناسب الفئات المحرومة.
طُعِن ستيفن لورانس ونزف حتى الموت في شوارع لندن، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بعدما قاسى سكرات الموت وحيداً. لقد سرقوا منا والدنا الحبيب بنفس الطريقة، ومن المستحيل تخيل ماذا سيكون شعور من تنتهي حياته بمثل هذه الوحشية.
إذا كان اللوم يقع على القتلة العنصريين، فإن وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة والشرطة تتقاسمان المسؤولية، لكن الأهم من ذلك، يقع الجزء الأكبر على عاتق القيادة الواعية للسياسيين للحصول على أصوات العنصريين.
يجب ألا ننسى أبداً أن التعددية الثقافية والمجتمع متعدد الأديان مكسبٌ رائعٌ، ولا بد أن نواصل المقاومة والكفاح ضد الأشخاص الذين حرموني من وجود والدي. إنه يعيش الآن في وسطنا في هذا الكفاح من أجل عالمٍ أفضل.
-هذه التدوينة مترجمة عن موقع Middle East Eye. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.