لماذا فشلت الحركات الإسلامية في إبراز نماذج نسائية مؤثرة؟

كان هدف السيدة عائشة في خروجها للفتنة الإصلاح بين الناس وسط أساطير الخرافات المزورة والأحاديث الضعيفة التي تتناقل دون سند مبرهن عليه؛ لماذا خرجت؟ لماذا لم تجلس في بيتها معتزلة خلافات الرجال والحكم؟

لم أقصد بذلك الحديث أن خروج السيدة عائشة من عدمه كان صحيحاً أم خاطئاً، سواء في معركة الجمل أو ما قبلها؟ هكذا برز دور المرأة في الإسلام منذ عقوده الأولى في الفكر والسياسة وأمور الحكم وتوجيه الناس إلى الحق؟ بداية مع بُروز السيدة عائشة ومن قبلها في أمور الطب ودواء المصابين من الغزوات المنسوب للسيدة "رُفيدة".

لكن في القرن الأخير الميلادي وإلى عامنا هذا لم تتولّ الكثير من النساء هذا الدور، المقصد هو الدور الإسلامي الدعوي الذي يتخصص في السياسة وأمور الحكم والدعوة والدين، لا أستطيع إنكار دور بعض الإسلاميات "المرأة التي تدعو للشريعة" في حراكها الميداني ومقاومتها، مما أدى إلى وجود بعضهن خلف قضبان أسود يقضين أحكاماً قانونية قد صدرت بحقهن من نظام باغٍ يفرض سلطته العسكرية أكان جمهورياً أو ملكياً، أما الدور الشرعي "المختص بأمور وأحكام الحياة طبقاً للدين" لم يلمع نجم إحداهُن منذ عقود.

زينب الغزالي "المرأة الإسلامية"

لم تكن ربة بيت أو ربة أحادية النظر لدور المرأة في الحياة، بل ربة دعوية شمولية تبعثر من عمرها مبادئ النضال الميداني والفكر الحركي والتزكية القلبية.

لمع بريق السيدة كحقوقية إسلامية تناقش دور المرأة في الإسلام، تحاول إحياء فكر مجتمعي يعتزّ ويعترف بدور المرأة فيه على الطراز الإسلامي المتنور الملتزم، بعيداً عن الفكر الذي ينظُر للمرأة كأنها سلعة رخيصة أو غالية.

في عام 1936م أسست جمعية نسائية "السيدات المسلمات" بعدما تركت الاتحاد النسائي لتَتبنى أيديولوجية الدعوة الإسلامية خالصة، بعيداً عن التعومات العلمانية التي كانت في الاتحاد النسائي وفقاً لِمنهاج المرأة الملتزمة في مجتمع مسلم معاصر، وسرعان ما انضم لها نخبة من سيدات المجتمع المؤثرات فيه بالإيجاب مما لا شك فيه أكد أنها ذات كاريزمة نسوية ينجذب إليها سيدات المجتمع من مختلف طبقاتهن.

حتى انضمامها بعد ذلك لجماعة الإخوان ومبايعتها للإمام البنا قبل اغتياله، وسردها لأيام محنتها في سجون مصر العسكرية إبان عهد الضابط "جمال عبد الناصر" في كتابها الشهير "أيام من حياتي".

فهي رائدة في عالم الأفكار، مؤلفة للكتب، ساردة للتاريخ، قائدة تؤسس التنظيمات، معلمة تحفظ القرآن.

ومنذ عهدها لم نرَ امرأة تكمن فيها شخصية بتلك المؤهلات في الأيديولوجية الإسلامية، بل تفوقت الأيديولوجية الليبرالية أو العلمانية في ظهور رائدات الحركات النسوية في ظل ركود الإسلامويات.. فما السبب؟

عشرات من النساء في القرن الماضي أو الحاضر اللاتي ألّفن الكتب والمجلدات وأَسسن الجمعيات ونَاضلن من أجل حُقوقهن في الحرية والعدالة وحق العمل والمساواة بين الرجل والمرأة في قضايا قطعية مثل: (تعدد الزوجات – الميراث)، مما يخالف الشريعة الإلهية بشكل مباشر، والقضية الأكثر جدلاً "الحجاب" وغيرها من القضايا.

حق العمل النقابي والمشاركة البرلمانية وإلغاء تعدد الزوجات في العلاقة الشرعية، كانت تلك المطالب الثلاثة لم تفارق نضال المصرية الوفدية قبل انشقاقها السيدة "هدى شعراوي" التي لمعت في الحقبة العشرينية والثلاثينية من القرن الماضي قائدة الاتحاد النسائي، ومن أكثر الشخصيات المصرية والعربية التي يحتذى بها في العمل النسوي.

وما زال الحجاب يشكل مانعاً كبيراً لدى من ينادون بحرية المرأة إلى الآن، في لبنان صاحبة كتاب "الحجاب والسفور" السيدة "نظيرة زين الدين" الذي أثار جدلاً واسعاً لدى رجال الدين آنذاك ووجهت لصاحبته تهمة بمغالطة القطعيات القرآنية والتشكيك فيها، مما ترتب على ذلك مهاجمتها بالإلحاد والتكفير.

وكانت ترى أن المرأة لا بد لها من المشاركة في الحكم الشعبي، وألّفت كتاباً آخر سمّته "الفتاة والشيوخ" بعد الهجوم الشديد الذي وُجّه لها.

كما برز في تونس أسماء مثل منوبية التوراني وحبيبة المنشاري، وفي دول أخرى مثل عائشة تيمورو، وماريانا مراش، ولبيبة قاسم وغيرهن.

وفي ألفيتنا هذه، نشطت السيدة اليمنية والحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011م "توكل كرمان"، بعد أن أثبتت براعتها في حقوق الإنسان والقضايا الإنسانية اليمنية والعربية ونضالها السياسي ضد الرئيس اليمني الراحل المقتول "علي عبد الله صالح"، مما لمع نجمها إلى الآن في نضالها الحقوقي.

أما عن العنصرية فما بحثنا إلا وجدنا اسم "ليندا صرصور" وهي أميركية لأبوين فلسطينيين، أو مالكوم إكس جديد في أميركا كما وصفتها وسائل إعلام عدة مثل الغارديان وواشنطن بوست وسي إن إن وغيرها من الصحف العربية المهتمة بالحقوق والمرأة،  وذلك لدفاعها المستميت ضد العنف المتصاعد تجاه الأقليات المسلمة، لا سيما في عهد الرئيس المثير للجدل "دونالد ترمب"، ووجود تيار كبير شعبوي يريد طرد المسلمين من البلاد، وهي رئيسة "الجمعية العربية" بالولايات المتحدة الأميركية، وهي من أشهر المسلمات اللاتي برزن في الدور الحقوقي العربي.

فهل بتلك النماذج النسوية، انتهى صعود امرأة مُلمّة بشؤون الإسلام كنظرة شمولية لا أحادية؟

1- وإن انتهى.. فما السبب في ذلك؟

2- أو لماذا لا تستطيع الحركات الإسلامية التي تدّعي فهمها الصحيح الوسطي للإسلام ولادة امرأة قوية بشؤون أيديولوجيتها كافة، كما تفعل الحركات العلمانية؟

 لا نستطيع أن نجزم بموت المرأة الإسلامية الواعظة، فربما تأتي في سنوات قادمة أو أنها تعد نفسها الآن للصعود كواجهة إسلامية معتدلة الرؤية.

أما الحركات الإسلامية فعليها من الخطأ ما يلزم الاعتراف به، فحركة مثل الإخوان المسلمين في مصر منذ 90 عاماً من ولادتها لم تضع امرأة للواجهة الإسلامية بالمفهوم الصحيح كالسيدة "زينب الغزالي" التي انضمت إلى الإخوان؛ كي تُعلمن نساءها وليست هي وليدة الحركة، ولكن ربما فشلت الحركة في إخراج مفكرين منها ما زالوا ينتمون للتنظيم إلى الآن. ربما نجحت الجماعة في كبت عقول رجالها ونسائها، كما هو الحال في الجماعة الإسلامية والدعوة السلفية، وحتى في الحركات الإسلامية في القطر العربي في آخر ثلاثة عقود لم نرَ فيها ما نبحث عنه.

ويرى مفكرون إسلاميون وشباب (رجال – نساء) قد انشقوا من تلك الجماعات أن عدم المرونة والجمود في إلزاميات تلك الجماعات بالأدبيات والمناهج لأفكارها هي السبب الرئيسي في عدم ولادة المفكر/ المفكرة من رحم تلك الجماعات، وكثرة ولاء الطاعة وغياب مدلول الفهم أدى إلى عدم القدرة الإبداعية للخروج من ناشئة تلك الجماعات والحركات برجال ونساء يقلبون موازين الفكر من حيث تجديد المفاهيم ومحاكاة الواقع من منظور شرعي لا يخل بالمبدأ.

فلذلك ركدت المرأة الإسلامية حيث ولدت بلا نمو مع ازدياد صدى صوت الحركة النسوية الليبرالية أو العلمانية "الصلبة" وصعود رائداتهن بمطالب تخلّ بالأحكام الإلهية جملةً وتفصيلاً.

فهل يستمر الجمود والاضمحلال النسوي لدى المرأة المسلمة، أم نرى صناعة إسلامية قادمة وناصحة للمؤمنين في مضمون ولباس "عائشة أو زينب" رضي الله عنهما؟