براءة الأطفال.. كيف أصبحت وسيلة لكسب الشهرة والمال معاً؟

عدد القراءات
592
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/02 الساعة 07:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/02 الساعة 14:58 بتوقيت غرينتش

عبر حساب إحدى الإعلاميات المتابَع من قِبل الآلاف على الانستغرام تطل علينا طفلتها "ر" في أكثر من منشور، بدا اهتمام أمها بجمال هيئتها الخارجي واضحاً، زانت الطفلة الجميلة الحساب بإطلالاتها الفاتنة وبألبستها المتميزة، حتى كأن الطفلة أضحت مادة ممتازة لعرض الألبسة والمستلزمات المتعلقة بالطفل، ألحقت الأم كل منشور بشكر خاص للمحل الذي قدم لها ثياب طفلتها الظاهرة في الصورة، ووصل بها الأمر أيضاً لشكر المحل الذي وفر لها "حفّاضات" مريحة لابنتها!

لم تكن تلك الطفلة "ر" وحيدة بين أطفال كثر يتم استخدامهم من قِبل أهاليهم لكسب الشهرة والمال، دون وجود أي محتوى يفيد عالم الطفولة، يظهر لنا أحد المشاهير السعوديين على السناب شات يصف نفسه بـ"صديق الجميع"، وهو يمارس ما أتقنه من فنون المكياج على وجه ابنة أخته الصغيرة والتي لا تتجاوز ملامحها السنوات الست، في فيديو حصل على أكثر من 720 ألف مشاهدة!

استخدم ذاك الوجه البريء النقي من الشوائب ليصبح لوحة استعراض مكياج تحتوي في أغلبها على كمية كبيرة من المواد الكيميائية المضرة للكبار قبل الصغار.

وحين تبحث له عن مبررات لتصرفه لن تجد سبباً مقنعاً، هناك فقط سعي للشهرة وإضحاك للمتابعين وإثارة لإعجابهم بقدراته على وضع المكياج بطريقة تنافس المختصين في هذا المجال. إذاً فقد كان صديقاً للجميع، لكن صداقته لم تمتد للوحة العرض التي بين يديه، ذلك الطفل الذي شُوهت طفولته بقصد أو دونما قصد.

 

لا تقف الظاهرة عند "ر" وأمها، حسابات عديدة على مواقع التواصل تحولت إلى ما يشبه الظاهرة، يسعى من خلالها أصحابها إلى الحصول على الشهرة أو المال عن طريق أطفالهم، دون أدنى إدراك بحجم أنانيتهم تجاه أطفالهم؛ حيث أصبحوا يمارسون مفهوم " تشييء الطفل " بحذافيره، يعنى هذا المفهوم بفكرة التعامل مع الإنسان كشيء وتجاهل شخصيته وأحاسيسه وكيانه. وهو ما ينطبق على سلوك هذه الحسابات مع أطفالهم كمادة تسويقية واستعراضية، بل يمكن أن نقول بأنهم أصبحوا جمادات متحركة يسيرونهم ويقولبونهم بالقالب الذي تصنعه مخيلاتهم ورغباتهم.

طفل مشهور.. ما الذي يضيره؟

من وجهة نظر نفسية تكمن أبرز المخاطر التي تحدق بهكذا شهرة في أن تعرض الطفل لها دون حول له ولا قوة يشكل تهديداً كبيراً لبنائه النفسي، ففي مقابلة أجريت مع الطبيب النفسي همام يحيى على موقع ميدان حول الظاهرة يقول: "إن تشكل هوية الطفل في مراحلها الأولى هي عملية غاية في التعقيد، لذلك فإن تعريض الطفل للشهرة المبكرة يعد دخولاً في مرحلة لم نعتَد عليها، لا سيما أننا حديثو العهد بمواقع التواصل، وبالتالي بموضوع شهرة الأطفال وكشف حياتهم للجمهور، ورغم هذه التغيرات العديدة وقلة البحوث والدراسات الواردة عنها، إلا أننا لا نعدم القدرة على مقاربة الأمر من خلال التفكير في نتائج هذه الظاهرة ".

يقسم الدكتور همام نتائج هذه الظاهرة إلى مرحلتين، تتلخص الأولى في عدم قدرة الأطفال على إدراك ما يصلهم من تفاعل على صورهم الخاصة، ومن ثم يتولى أهل الطفل هذه المهمة، وعليه يتحول المديح أو النقد لمسألة شخصية بالنسبة للوالدين؛ حيث تمت تنحية الطفل تماماً عن هذا التفاعل، وكنتيجة يصبح سعيهم الدائم لإبقاء الطفل في الصورة المثالية لاستجلاب مدح الجمهور ورضاه.

أما في حال إذا كانت التعليقات سلبية تنتقد فعل الوالدين أو المظهر الذي ظهر به الطفل، فإن ذلك سيخلق توتراً في العلاقة بينهم وبين الطفل. وفي كلتا الحالتين يرى الدكتور همام أن هذه المرحلة ضاغطة على الأهل.

أما المرحلة الثانية فهي التي يصبح الطفل فيها قادراً على فهم التعليقات التي تأتيه على صوره، ويكون بالطبع معرضاً لأن يقرأ تعليقات الاستخفاف به وبأهله، ويقرأ أيضاً تلك التعليقات الإيجابية والمادحة وفي الحالتين سيخسر الطفل طوراً مهماً من أطوار عملية نموه الطبيعية كأي طفل، ألا وهو الحكم القيمي على تصرفاته وسلوكياته، فهو في حالته هذه يأتيه ذم أو مدح على سلوك لم يكن له فيه يد، بل كان نمطاً مفروضاً موجهاً من قِبل أهله.

إن الجهل الذي أصبح يكتنفنا بحدود وتأثيرات سلوكياتنا وأضرارها على مواقع التواصل بات مخيفاً فعلاً، خاصة مع انتشار موضوعات توعوية حول كيفية استخدام هذه المواقع خاصة مع الأطفال؛ ما يجعل الجهل بها غير مبرر ولا مفهوم، فهؤلاء الناس يجهلون أن ما يفعلونه يعتبر خطأً فادحاً بحق الطفولة، وإن حاولتَ تنبيههم وتحذيرهم لا يعترفون بالخطأ ويصرون على الاستمرار.

رغم ذلك يجب ألا نتوقف عن التنبيه والتحذير كلٌّ منا ضمن نطاقه المحيط، فكم من أُم تنشر صور ابنها على حسابها بكل وضعياته وحالاته المختلفة، وبعد أن أشبعتها صديقاتها نقداً ونصحاً توقفت عما كانت تفعله! وكم من مقال انتشر كالنار في الهشيم كان له الفضل في توعية الناس عن حقوق الطفل وأهمية تنشئته تنشئة سليمة بعيدة عن تبعات مواقع التواصل الخطيرة والضارة نفسياً، وبالتالي عزوف الكثير عن التعامل مع أطفالهم على أنها أشياء يمكن أن تستخدم للحصول على الشهرة والسعادة.

نماذج إيجابية

"غزل البغدادي" مؤسسة صفحة "علمتني كنز"

ومن الإنصاف بمكان أن نقول بأن استخدام مواقع التواصل للأطفال ليس سيئاً على إطلاقه، فالذين فطنوا إلى كيفية استخدامها على نحو إيجابي كثُر؛ حيث تعد صفحة مثل "علمتني كنز" من أكثر الصفحات التي تستهدف أمهات الطفل العربي شهرةً، وتبدع صاحبتها الأم "غزل" في إيصال المعلومات المفيدة للأم العربية مذ معرفتها بحملها إلى أن تلد طفلاً بريئاً ترغب في تنشئته أفضل تنشئة بالاستناد إلى مصادر علمية موثوقة.

ورغم أن "غزل" تنشر صور طفلتها "كنز" بشكل دائم على حسابها على موقع "الإنستغرام"، فإنها صور خالية من ذكر اسم أي شركة وأي منتج أو بعد تسويقي، وتحرص دائماً على الطلب من المتابعين بأن لا يروّجوا لأي منتج أيضاً على الصفحة الخاصة بها.

ومن المتخصصات أيضاً في مجال التربية من الذين نالوا شهرة على مواقع التواصل السيدة "بتول حديفة" التي تعد مرجعاً غنياً بالمعلومات التربوية التي تغني تجربة الأمومة، وتتميز بتول بنسف التقاليد التي نشأ عليها جيل من الأمهات العرب في التعامل مع الطفل، كما تقوم بإعادة تشكيل مفاهيم جديدة على ضوء دراسات موثوقة أيضاً، وتسهم "بتول" أيضاً في التوعية عبر حسابها على الإنستغرام؛ حيث تنشر قصصاً يومية أبطالها طفلاها "عبادة" و"بشير"، وذلك عبر فيديوهات قصيرة توضح كيف تقضي أوقاتها معهما بتطبيق بعض الألعاب المفيدة والبسيطة دون الحاجة لشراء أشياء باهظة، وتحويل معنى التربية من معنى معنوي إلى مادي وسطحي.

مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
راما زرزور
طالبة جامعية
تحميل المزيد