لا يوجد عامل أساسي أو وحيد للنجاح، فهو غير معتمد على مدى إبداعك في تصاميمك أو أعمالك واحترافيتك أو سرعتك فقط، بل إن هناك جزءاً مهماً، وقد يكون الأهم في نجاحك، معتمد على تسويقك لنفسك ومرونتك وإبداعك في هذا الأمر، وتكمن حساسية هذه النقطة بأنها مرنة لأبعد الحدود، بحيث لو أنك أعطيت لنفسك الأريحية المطلقة بالنشر والحديث عن نفسك وأعمالك بمبالغة أو مراهقة "بحجة التسويق" ستدخل بمرحلة الابتذال وسيظهر ذلك للناس بشكل كبير، ولو نشرت عملاً كل أربع سنوات؛ كي لا تعطي الصورة المبتذلة السابقة ستكون بذلك قد ظلمت نفسك وعملك وفشلت في هذا الجانب.
إذاً هل هناك حالة وسطية لتسويق المستقل لنفسه مثلاً، أم هناك قواعد لهذا الأمر؟
لا توجد حالة متوسطة، ولا توجد قواعد، فهي تختلف من منظور إلى آخر، لكنّ هناك نقاطاً من المهم الابتعاد عنها أو التركيز على عدم الوقوع فيها حتى لا تدخل مرحلة الابتذال، وطبعاً وكالعادة ما أكتبه من تجربتي ورأيي، فهو إذاً ليس عبارة عن قواعد علمية، وغير مبنيّ سوى على تجربة واطلاع لا أكثر، لنبدأ..
لا تتكلم كثيراً:
إحدى أهم المشاكل أو الأخطاء التي يقع فيها المتحمسون هي المبالغة بتكرار العبارات على شاكلة "انتظروا موضوعاً عن العمل الحر" أو "أعمل حالياً بمقهى هادئ على مشروع إبداعي جديد"، هي عبارات محفزة ومحمسة للشخص ولمن يقرأ في حال كانت موسمية وغير مكررة، أو إن كانت تسبق إنجازاً فعلياً حقيقياً، لكن إعادتها وتكراراها بشكل كبير وبمعنى ودون معنى، يجعلها غير حقيقية وذات مفعول إيجابي لحظي فقط؛ حيث سيتفاعل معك الناس في اليوم الأول من باب المجاملة، وفي اليوم الثاني من باب العطف، لكن بعدها ستصبح مملّاً تكرر نفسك، اترك الساحة لإنجازاتك بصمت، ولا تعلن عن شيء حتى تنتهي منه.
لا تعلن عن شيء حتى تنهيه:
سواء أكان "مشروعاً، تصميماً، منتجاً أو حتى فكرة" تعمل عليها أو تنوي إنهاءها، لا تتحدث عنها حتى تنهيها تماماً أو تقترب من ذلك بشكل كبير، فالإعلان عن أغلب الأعمال قبل الانتهاء منها يفقدها بريقها وحماسها، وسرعان ما ستجد نفسك قد مللت من إكمالها أو إنهائها، وستقع بدوامة الكلام دون تطبيق، وستكون غايتك من أي فكرة أو منتج أو عمل الحديث عنه للناس فقط.
ابتعد عن التسويق المبتذل:
كنت قد كتبت مقالة تخص هذا الموضوع منذ ثلاثة أعوام تقريباً، أفكار تسويقية من عصور الجاهلية لا أدري مدى صلاحيتها وجودتها حتى هذا اليوم، فقد يكون من المفيد قراءتها من جديد، لكن وبشكل مختصر "سوَّق نفسك بذكاء وصدق"، وابتعد عن الأسلوب الرخيص، الكاذب والوهمي أو غير الأخلاقي في العمل والمهنة بحجة التسويق.
ابتعد عن المراهقة بعملك:
تماماً كالمرحلة التي يمر بها الشاب في مقتبل العمر، فلو قررت مثلاً الاتجاه للعمل الحر سيكون ذلك رائعاً لكن لنفسك وليس للناس، لا داعي لأن تصوّر قهوتك وحاسبك كل يوم أربع مرات وقدميك على الطاولة لتخبرنا بأنك مستمتع بالعمل الحر، "وطبعاً لا أعني الأمر بشكل عام أو أن تصوير القهوة أو يومياتك وذكرياتك شيء مبتذل أو مراهقة، بل هو شيء شخصي جميل، ومشاركته مع الناس أمر عائد لك ويخصك، وقد يكون إيجابياً لصورتك وحقيقة وجودك لديهم"، لكن ما أقصده هنا: هو الابتذال بربط مفهوم الحرية والمراهقة بمفهوم العمل الحر الذي لا يحتاج لمزيد من الإفساد والتخريب!
لا تتذاكَ على عملائك:
عميلك هو الشخص الثاني بعد توفيق الله لك الذي يضمن استمرارك بما تقوم به، وعمله معك يعني أنه أعطاك ثقة وميزة عن منافسيك، أي لست لأنك الوحيد بهذه المهنة؛ لذا لا تتعامل مع أي عميل بتذاكٍ ومراوغة أو تكبّر، فستخسر عودته وقتها وأي شخص محتمل آخر مرتبط به، وهي من أهم أساليب التسويق لشخصك وعملك، ولا تتفاخر بنشر أي قصة مبنية على عميل حقيقي أو وهمي بغية لفت النظر لحجم أعمالك وعلاقاتك، كن صريحاً فيما تنقله أمام عملائك، وتعامل معهم بصدق ومهنية.
الإبداع بالاختصاص:
لا تقع في فخ التنوع بالاختصاصات وبمجالات العمل أو الادعاء بذلك والتباهي بالأمر، فيوماً أنت مبرمج، والثاني مصمم أو مصور، والثالث شاعر، هذا الأمر لا يدعو للمباهاة أو الفخر، بل هو قمة التشتيت والتخبط، "وطبعاً أتحدث هنا عن التخصص وتسمية كل تجربة مهارة أو اختصاصاً"، ودعك من نظريات الإبداع المتمثلة في التنوع وتعدد المهارات، فالمهارة هي شيء تتقنه وليس منشوراً أو تغريدة فقط!
انقل حياتك وصورتك الشخصية بصدق:
الشبكات الاجتماعية مغرية، فهي وسيلة رائعة لبناء صورة مزيفة، ابتعد عن التضخيم ومحاولة عكس صورة غير صحيحة عنك، ولا تبالغ بالحديث عن أعمالك، فالكلام الكثير ممل، والتزييف سيظهر سواء الآن أو لاحقاً، وعندها حتى لو حاولت إصلاح صورتك بشيء حقيقي لن تقدر!
اعمل لتنجح، وليس للرياء أمام الناس:
لا تعمل ليقال عنك إنك مبدع أو منجز أو عبقري، ولا توجّه نفسك وأعمالك للأطفال وأصحاب تعليقات "الرائع والجميل والمذهل والمبهر"، اعمل فيما تحب، واعمل لتنجح ولتتطور وتستمر.. فالنية في العمل أهم من النتيجة، اعمل بصدق وإخلاص ليوفقك الله.
لا تُقلّد.. لا تُقلّد!
لا تنسخ تجربة شخص أو شركة، ولا اسمها أو كلماتها، اقتبس، لكن عدّل وأضِف لمستك الحقيقية، ولا تعتبر الأمر كمنافسة، فهناك فرق بين المنافسة والتسلق، ولا تنسخ فسرعان ما ستظهر للجميع بمظهر المراهق في حياته المهنية الأولى، وهذه الصورة لو ارتبطت ببال عملائك ومتابعيك لن تستطيع مسحها ما حييت.
في النهاية.. شكراً لكل مبدع، صادق، مثابر، يعمل بجد وإخلاص، سواء أكان موظفاً، مستقلاً أو صاحب مشروعٍ يؤمن به ويعمل عليه لينجح أو يغير شيئاً بهذا العالم ولو كان تغييره لنفسه فقط، وشكراً لكل شخص لا يعمل مراءاة للناس، فصدّقني مهما كان عملك بسيطاً فأنت الشخص الوحيد في هذا العالم الذي يستحق أن ينجح، وعندما ستنجح سيكون نجاحك حقيقياً مستداماً بعون الله، ليس آنياً أو غير مستحق.. شكراً لك من القلب.️
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.