من أي الفريقين نحب أن نكون نحن؟ هل نحب أن نكون من حاشية الطاغية أم من أصحاب النبي؟ الجواب الذي سوف يجيبه أغلبكم هو أنه يحب أن يكون من أصحاب النبي، أما أنا فأود أن أكون من بعض حاشية الطاغية!
طبعاً كلام غريب، ولكن قبل أن تبدأ قذائف الكلام تتراشقني، دعوني أوضح أي طاغية أقصد وأي نبي؛ الطاغية الذي أقصده هو فرعون، والنبي طبعاً هو موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، أعتقد أن الصورة بدأت تتضح بعض الشيء!
إنني في قراءتي لقصص الأنبياء، سواء في القرآن أو السنة أو كتب علمائنا (كابن كثير وابن جرير)، أو في استماعي لما قاله مشايخنا وعلماؤنا في أشرطتهم ومحاضراتهم، لم أجد أصحاب نبي ذموا في التاريخ مثل أصحاب موسى عليه السلام، عادة ما يطلق عليهم في القرآن لفظ بني إسرائيل، ولكنه في موقع واحد أطلق عليهم لقب أصحاب موسى في قوله تعالى: " قال أصحاب موسى إنا لمدركون" (سورة الشعراء: آية 61).
أما ومن الجانب الآخر، فإنني وجدت الله ورسوله قد مدحوا وكرموا بعض حاشية الطاغية فرعون بما لم يذكر عن حاشية أي طاغية في التاريخ، وهم امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم ومؤمن آل فرعون وماشطة بنت فرعون وسحرة فرعون (وهم الذين سوف يكون حديثنا عنهم هنا)، وهذا أمر غريب بعض الشيء ألا تتفقون معي؟!
لقد أرسل الله موسى -عليه السلام- إلى فرعون بتسع آيات كما ورد في القرآن الكريم، وقد شاهدها أصحابه جميعاً بالاضافة إلى آية عاشرة كانت في انشقاق البحر ونجاتهم من فرعون ثم غرق فرعون وجنوده، ومع ذلك أول ما خرجوا من البحر، قال تعالى: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ" (سورة الأعراف: آية 138)، يعني شاهدوا عشر معجزات، وما زال في قلبهم شرك، بل وقالوا أرنا الله جهرة، في حين أن السحرة شاهدوا معجزة واحدة فقط فخرّوا لله ساجدين "فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى" (سورة طه: آية 70)، إنهم حالة غريبة في التحول من جمهور معارض ومعادٍ إلى جمهور مؤيد ومؤمن في لحظات، وفي الانتقال من مرحلة الفكرة إلى مرحلة الإيمان والدعوة، وخاصة أنني من الباحثين في مجال الإقناع والتأثير، ولي مقالات سابقة في هذا الموضوع.
أضف إلى ذلك أن أصحاب موسى -عليه السلام- وبعد أن تكلف الله بإهلاك عدوهم (فرعون وجنوده) طلب منهم أن يدخلوا البلدة، أي أن يجاهدوا بمجرد دخول البلدة وسوف ينصرهم الله الذي نصرهم على فرعون وجنوده، فكانت حجتهم: إن فيها قوماً جبارين (وكأن فرعون وجنوده لم يكونوا جبارين)، بل وقالوا تلك العبارة التي تكاد تشقق منها السماء في قوله تعالى: "قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" (سورة المائدة: آية 24) في حين أن الله امتحن السحرة بتهديده لهم وبتوعده لهم بل، وبتنفيذ هذا التهديد "قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى " (سورة طه: آية 71)، كل هذا لم يزحزحهم عن إيمانهم في قوله تعالى: "قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" (سورة طه: آية 72).
إن القرآن الكريم قد ذكر قصص الكثير من المؤمنين والصالحين من الأمم السابقة، ولكنني أغبط بصفة خاصة أناساً من غير الأنبياء وردت عنهم آيات في 3 مواقف:-
أبو بكر الصديق في قوله تعالى: "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى"، والآخر مؤمن ياسين في قوله تعالى: "قيل ادخل الجنة"، أما الثالث فهو قصة سحرة فرعون في الآيات السابقة.
والآن أيها الإخوة والأخوات ألا ترون أن الحق معي أن أتمنى أن أكون من بعض حاشية الطاغية، وليس من أصحاب النبي، طبعاً الحاشية التي ذكرت والأصحاب الذين ذكرت.
المشكلة أننا في غالب حالاتنا نكون مثل أصحاب موسى عليه السلام؛ حيث إننا نرى الآية خلف الآية والمعجزة خلف المعجزة، ولكننا لا نزداد إلا بُعداً عن دين الله (أسأل الله العافية والهداية والرحمة والمغفرة).
لقد ورد عن الإمام الفخر الرازي أنه كان يدعو: اللهم إيماناً كإيمان العجائز، أما أنا فأقول: اللهم إيماناً كإيمان السحرة، اللهم إيماناً كإيمان السحرة، اللهم إيماناً كإيمان السحرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.