الخوف من المجهول هو شعور طبيعي جداً، وقد يتكرر يومياً في بعض الأوقات، فعند دخولك إلى نفق مظلم أول ما تحاول البحث عنه هو ضوء الخروج الذي عادةً ما يُصوّر لنا أنه موجود في نهاية النفق.
يختلف النفق، وتختلف أسباب الخوف، لكن في النهاية الخوف هو شيء جيّد، ويعني أنك من الأشخاص الناجحين الذين يمتلكون حساً من المسؤولية ومجموعة من القواعد التي قد تتغيّر بمجرد دخولك للنفق، وشعورك بالتردد تجاه تغييرها هو الذي ولّد لديك هذا الشعور.
أنت تقف الآن على بداية طريق العمل الحر، مُتردد، وهو شيء طبيعي كوننا قرأنا سابقاً عن مصاعب العمل الحر والتحديات التي ستعصف بوجه أي شخص يرغب بالدخول إلى هذا المجال.
وبعيداً عن التحديات التي تواجه الكل، نحن في وطننا العربي لدينا مجموعة تحديات خاصّة بنا، تبدأ من نظرة المجتمع والبيئة المُحيطة، مُروراً بالأحكام التي ستُطلق عليك كونك تعمل من المنزل، ولا تستيقظ يومياً لتشارك روتين المُجتمع والنظام الرأسمالي، وانتهاءً بمرحلة الوحش الأخير ألا وهي الزواج.
يُمكننا أن نجد معاً الكثير من النماذج العربية الناجحة في مجال العمل الحر والتي استقلّت تماماً، كما يُمكننا أيضاً إيجاد بعض النماذج الفاشلة، لكن دعنا نتفق على بعض النقاط التي من شأنها أن تُساعد كثيراً في تخطي مُعظم العقبات للوصول إلى بر الأمان والعمل كمُستقلين دون خوف أو تردد.
لا تقفز في الماء دفعة واحدة
نحن نختلف بطبعنا، فقبل النزول إلى حمّام السباحة، يقفز البعض دفعة واحدة دون أن يكترث بدرجة حرارة الماء وهو أسلوب جيّد، لكن هذه القاعدة قد لا تنجح إذا ما طبقناها في العمل الحر.
إذا كُنت لم تنتهِ بعد من الدراسة فالفرصة مواتية أمامك للعمل كمُستقل، والبدء في صناعة اسمك الخاص من الآن، لا تتردد فكمية المسؤوليات المُلقاة على عاتقك أقل بكثير من المسؤوليات القادمة؛ لذا ابحث عن مشاريع لتنفيذها.
أما إذا كُنت تقرأ هذه الكلمات وأنت تجلس خلف مكتبك في مكان عمل أشبه بالجحيم بالنسبة لك فلا تقلق، فهذه الكلمات أيضاً لم تُكتب في إحدى الجزُر تحت أشعّة الشمس.
التركيز الأساسي يجب أن ينصب على الطريقة المُثلى لتخطي المشكلة الحالية وليس على المُشكلة بحد ذاتها.
اغمس قدميك في الماء
الشعور ليس سهلاً على الإطلاق فأنت ستشعر ببرودة الماء أكثر من مرّة، لكنها تبقى أفضل من أن تغطس دفعة واحدة لتجد نفسك في مُنتصف المُحيط لا عون لك ولا سند.
الأفضل دائماً أن تبدأ عملك الحر وأنت تعمل في شركة بدوام ثابت، خصص ساعة أو ساعتين يومياً بعد الانتهاء العمل للعمل الحر، أو حتى خفّض من استراحة الغداء واستغل الوقت في إنجاز جزء من عملك الحر.
هذه الطريقة جيّدة للقضاء على الخوف من العمل كمُستقل؛ حيث لن تفقد الشعور بالأمان المادي الذي يوفره العمل بدوام ثابت، وستحصل على دخل إضافي يُحفّزك أكثر ويساعدك في استكشاف وتخطّي عقبات العمل الحر الشائعة.
حافظ على هذه العادة، فعلى الرغم من صعوبتها، إلا أنها ستتحول فيما بعد إلى جزء منك لن تتخلى عنه بسهولة، وهنا يُمكننا القول إنك وضعت قدميك على بداية الطريق حتى وإن كانت خطواتك قصيرة ومُرتعشة.
أبقِ رأسك فوق الماء
الآن يُمكنك أن تغمس ما تبقى من جسدك بالماء، لكن حافظ على رأسك فوق الماء، ستشعر بالبرودة من جديد، لكن كونك هنا يعني أنك قطعت جزءاً مُهماً في العمل كمُستقل؛ لذا لا تتردد.
بعد أن اكتسبت عادة جديدة وبدأت ببناء اسم خاص بك في عالم العمل الحر، يُمكن القول إنك تخطيت عملياً نظرة المُجتمع الذي لا يُمكن إرضاؤه بسهولة، لكنه من الأمور التي قد تقضي عليك إذا لم تتعامل معها بذكاء.
في هذه المرحلة أصبح لديك جزء جديد من المسؤولية، فإلى جانب عملك بدوام ثابت، أصبح لديك دوام جديد يومياً، وبالتالي أن تعمل بدوامين وهو شيء مُرهق، لكنه الطريق الأمثل لتقييم الوضع؛ لتكون جاهزاً فيما بعد لعمل ما تُحب.
حاول أن تزيد ساعات العمل الحر، وتخلّ عن الراحة أيام العطل، فكونك مُستقلاً يعني أنك تعمل من المكان الذي ترغب به؛ لذا استمتع أثناء عملك وتوجه إلى أي مكان يزيد من إنتاجيّتك، فالمُقربون منك سيشعرون بقيمة الذي تقوم به وحجم السعادة التي وصلت إليها.
اسبح واستكشف جمال العمل الحر
الآن وصلت للمرحلة الحاسمة التي ستغيّر حياتك بشكل كامل، قبل أن تسبح وتستكشف مُحيطك الجديد قيّم الحالة التي وصلت إليها، هل العمل الحر يُعوضك بشكل كبير عن العمل بدوام ثابت؟ إذا كانت الإجابة نعم فأنت مؤهل تماماً.
قرار الاستقالة من عملك اليومي صعب، لكنك على الأقل عرفت ما الذي تُريد القيام به، ولديك إثباتات على أرض الواقع تُساعدك في تخطي الحوارات والنقاشات التي ستتحدث عن الأمان المادي، ومُتعة العمل في شركة، والحياة الاجتماعية والتشاركية في هذا النوع من العمل.
وصلت الآن إلى بر الأمان، وأصبح لديك مورد مادي يكفيك وقابل للزيادة؛ لأنك ستتفرغ له بشكل كامل.
العمر يلعب دوراً أساسياً في هذا النوع من القرارات، فإذا كنت ترغب بالعمل كمُستقل وأنت بين الـ20 و30 من عمرك فأنصحك بالحصول على خبرة كافية من الشركة التي تعمل بها بدوام ثابت، حتى لو كانت بعيدة كل البعد عن مجال العمل الحر الذي ستخوضه.
الشركات ترغب دائماً بتوظيف الطاقات الشابة التي تكون أصغر من 30 عاماً، فهي ترغب باستثمار عقولها وحماسها، وبالتالي أنت تبني خبرة واسماً خاصين بك في هذا المجال يُمكن أن تحتاجه في المُستقبل.
أما إذا تجاوزت الثلاثين من عمرك، وسبق أن عملت في شركة وحصلت على خبرة كافية، وطبقت الخطوات السابقة بنجاح فبإمكانك القفز مُباشرةً والبدء كمُستقل؛ لأنك أولاً تمتلك خبرة عملية تخوّلك العودة للعمل التقليدي في أي وقت في حالة حصول أي شيء خارج عن الإرادة، وثانياً بنيت اسماً خاصاً بك كمُستقل والنتائج موجودة وتُسكت أي شخص يتذمّر أو يرى أن العمل الحر هو مجرد شيء لا منفعة منه.
الشركات في العمل التقليدي تبحث عن أصحاب الخبرة دائماً، وكونك تمتلك واحدة فأنت حتماً في بر الأمان؛ لذا لا تتردد وابدأ بالسباحة فوراً، حان الوقت للاستمتاع بالحياة طالما أن خطواتك مبنية على تجربة ودراسة ليست عشوائية.
المسؤوليات كبيرة؛ لذا يجب علينا دراسة الخطوات بشكل كامل قبل الخوض فيها، قد يبدو ما سبق أنه مُحبط أو يحد من الانطلاقة والشغف الذي تمتلكه، لكن الحياة لا تسير دائماً كما هو مُخطط لها؛ لذا احرص على تجميع أكبر قدر مُمكن من الموارد لأنك ستحتاجها يوماً ما.
الشعور بالخوف عند الإقبال على خطوة جديدة يعني على الأقل أنك في بداية الطريق الصحيح، إذا رافق هذا الطريق التخطيط الدقيق؛ لهذا السبب فكّر جيّداً وانطلق بخطوات مدروسة.
إذا كنت تعمل في شركة، اذهب مُباشرةً إلى خمسات أو مُستقل، ابدأ بتعبئة صفحتك الشخصية وشارك مهاراتك وقدّم عروضك على المشاريع وابدأ بتنفيذها، وتذكّر دائماً أن الحياة معادلة بسيطة جداً تعتمد على العقل أولاً، لن
تكون دائماً مُتكافئة الطرفين، لكنك أنت المُتغيّر الذي يُمكنه مساواتها أو جعلها مُستحيلة الحل
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.