الإجابة في بطن الصين

عدد القراءات
2,683
تم النشر: 2018/04/30 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/30 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش

هل فوجئتكم ببوادر السلام المسرحية بين الكوريتين بعد كل هذا التاريخ الطويل والبعيد من العداء، وبعد كل تلك المعارك الإعلامية الساخنة بين كيم وترمب؟! ولماذا في هذا التوقيت يحدث ذلك؟

الحقيقة أن الأمور في شرق آسيا تحكمها الصين بشكل أو بآخر، حتى لو بدت الولايات المتحدة الأميركية طرفاً فاعلاً في أغلب القضايا المفتوحة هناك، فكوريا الشمالية دولة وظيفية في يد التنين الصيني وآخر معاقل الشيوعية الصينية التى لم تستطع البقاء في كوريا الجنوبية واليابان المتمتعتين بمظلة الحماية الأميركية.

ومن هنا لنا أن نطل بعيون واسعة على المشهد المتشابك كله، نركز فيها على تفاعلات القوة في بحر الصين الجنوبي الذي يعد مفتاح أي تحرك دولي في تلك المنطقة من العالم.

بحر الصين الجنوبي استقبل مؤخراً خبراً مدوياً في يناير 2018 عن عزم الصين بناء 50 جزيرة صناعية فيه بحلول عام 2030، ليعيد العالم ترتيب معادلاته وتوازناته من جديد على وقع الخطوات الصينية الطموحة، لنا أن نتعرف أولاً على أهمية بحر الصين الجنوبي من خلال النقاط التالية:-

1- هو جزء عملاق من المحيط الهادي تبلغ مساحته نحو 3.5 مليون كم مربّع، وتشترك فيه سبع دول "الصين – الفلبين – فيتنام – ماليزيا – بروناي – تايوان – إندونيسيا". ويشمل اثنين من الممرات التجارية الهامة وهما: مضيق بلقا ومضيق تايوان.

2- تتنازع الدول السبع على السيادة بدرجات متفاوتة على سلسلتين من الجزر "باراسيل وسبراتلي" الخاليتين تقريباً من الكثافة السُّكانية، وتعكس المشاهد المستمرة للطلعات الجوية والدوريات البحرية من قِبَل الصين سيطرةً نسبية على تلك الجزر، بجانب إثارة القضية دبلوماسياً بأحقيّة الصين في السيادة الكاملة على بحر الجنوب.

3- تناوش الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً في بحر الجنوب من خلال تعزيزات عسكرية قريبة من تلك الجزر، وتعاون مُتَنامٍ مع دول البحر المناهضة للصين، وكلّ ذلك تحت عنوان "حماية حرية الملاحة البحرية". إلا أنّ الصين تتمدّد في إنشاء الجزر الصناعية ونشر قواتها العسكرية، وإعادة مفهوم "خط الخطوط التسعة" الذي يزعم بالسيادة الصينية على البحر كله، إلى جانب إشعال متقطع للاتهامات الإعلامية بين الجانبين الأميركي والصيني؛ لما للبحر من أهمية اقتصادية وسياسية كبرى.

4- تمرّ عبر بحر الصين الجنوبي نحو 35% من تجارة الشحنات البحرية العالمية، فمن خلال مضيق بلقا يمرّ النفط القادم من المحيط الهندي إلى شرق آسيا، وكذلك من 60% إلى 80% من إمدادات الطاقة المتجهة إلى كوريا الجنوبية وتايوان واليابان.

5- تجارة النفط العابرة من بحر الصين الجنوبي لمضيق بلقا تعادل 15 ضعفاً لِما يمرّ بقناة بنما، ونحو ثلاثة أضعاف ما يمرّ بقناة السويس من كميات نفطية خلال العام الواحد.

6- حسب التقديرات الرسمية الصينية فإنّ باطن بحر الصين الجنوبي يحتوي على احتياطي نفطي مؤكَّد يبلغ 10 مليارات برميل، وكذلك ثروةٍ هائلة من الغاز الطبيعي بنحو ألف تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وتتنامى مزاعم الصين بأنّ ثروات هذا البحر لم تكتشف بعد، فهو يزخر بأكبر احتياطي نفطي عالمي غير مؤكد، بالإضافة للثروات المعدنية والسمكية الكبيرة التي تمثّل مصادر دخل هامة للدول السبع المحيطة ببحر الجنوب.

إذن ، نحن أمام مشهد مهمّ للغاية يتجاذب أطرافَه المترامية أقوى اقتصاديي العالَم "الصين والولايات المتحدة الأميركية" بعينٍ براغماتية مستقبلية خالصة، لضمان التفوق السياسي ولحماية أمن الطاقة العالمي.

وهو الأمر الذي دفع الصين مؤخراً لترجمة صبرها التاريخي إلى أفعال حقيقية تستكمل بها أسباب قوتها وذلك من خلال الاستعراض التالي:-

أولاً: "السفن الأميركية التي تمرّ على مقربة 10 أميال بحرية من مياهنا الإقليمية تعدّ استفزازاً سافراً يدعونا لبناء المزيد من الجزر الصناعية والعمل على تحصينها"، بهذا صرّحت الخارجية الصينية قبل الإعلان عن المشروع العملاق ببناء 50 جزيرة صناعية إضافية في بحر الجنوب بحلول عام 2030.

ثانياً: "حاجز الصين العظيم"؛ هو الاسم الذي أطلقته الصين على مشروع الخمسين جزيرة الذي يقضي بإقامة حاجز بطول 1000 كم بعرض بحر الصين الجنوبي، وبتحويله لمسطح مائيّ شبه مغلق يسيطر بشكل كبير على كلّ السفن المارة به، الأمر الذي من شأنه توسيع المياه الإقليمية الصينية لنحو 12 ميل بحري من الجزر المزعوم إنشاؤها، وبالتالي إبعاد خطر مرور السفن الأميركية بتلك المنطقة.

ثالثاً: خلال العقد الأخير ضاعف التنين الصيني من قدرته على التجريف البحري بنحو ثلاث مرات عبر شراء أكثر من 200 سفينة مخصصة لتلك الأعمال، وبناء أسطول خاصّ متطور يرفع القدرة التجريفية من 4500 متر مكعب في الساعة إلى 6000 متر مكعّب في الساعة، وبحفر أعماق تصل إلى 35 متراً تحت قاع البحر.

رابعاً: اعتمدت الصين تمويلاً سنوياً يُقدَّر بنحو 4 مليارات دولار لتطوير ما يقرب من 10 كراكات عملاقة، تدخل الخدمة تدريجياً بداية من النصف الثاني من 2018 استعداداً لبناء الخمسين جزيرة صناعية، والتي، حسب التقديرات، ستساهم في انكماش المساحة المعروفة للمحيط الهادي بنحو 5%، وهو ما يتطلب تعديلات جوهرية في قوانين البحار الدولية التي تنتقدها الصين كثيراً

خامساً: عبر هذا الحاجز العظيم تنشر الصين مطاراتها وموانئها العسكرية المستقبلية، وتعيد اكتشاف الثروات المختزنة في بحر الجنوب لإحياء الإرث التاريخي القديم، ولِمَدّ الوطن الأم باحتياطيات مؤمَّنة من الطاقة والغذاء لأكبر دولة ذات كثافة سكانية على وجه الأرض.

أخيراً.. بعد هذا المشهد المزدحم والمؤثر في بحر الصين الجنوبى تطفو أسئلة اللحظة:-

1- هل أرخت الصين مؤقتاً للولايات المتحدة الأميركية حبال الأزمة في كوريا الشمالية مقابل غض الطرف عن ملف بحر الصين الجنوبي؟

2- كيف سيواجه الفيل الأميركي تلك الرغبة الجامحة للتنين الصيني الذي يتمدّد بثقة تاريخية تمكّنه من الانفراد بالسيطرة والتفوق العالمي؟!

3- ما هو شكل الاقتصاد العالمي خلال الخمسين عاماً القادمة؟ وما هو مستقبل أسعار الطاقة مع سعي الصين للاكتفاء ذاتياً (إذا صدقت أنباء كنوز بحر الجنوب)؟!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد مهدي عبدالنبي
باحث اقتصادي ووسيط مالي بالبورصة المصرية
محمد مهدي عبدالنبي من مواليد 2 مارس 1983. كاتب اقتصادي، وخبير أسواق المال العالمية، ووسيط مالي معتمد بالبورصة المصرية منذ العام 2006.
تحميل المزيد