تتابُعاً مِن صيحة تُضَارع آخرة؛ ينتج بالضرورة بعض المفاهيم المَغلوطة وهي نِتاج طبيعي للعلم الشعبي المُتداول بين الناس في مُختلف المجالات منزُوع المَصادر، وبِتواتُر تِلك القِصص تَقل المِصداقية حتى الفناء.
فإن كُنت –مثلي– مِمن يُفضلون التعايش مع مَثيل تلك القِصص للصُوص البنوك الذين اقتحموا نظم البنك في دقائق باستعمال شاشة سوداء تمُر عليها مروراً خُطوط وطَلاسم خَضراء مُهيكلة من أصفار وآحاد، ولا يَكاد هذا المُحترف إفلات زر من لوحة المفاتيح حتى يَكبِس آخر بسرعة بهلوانية؛ فليس المقال لك.
لن نجد ما يُوازي مُصطلح (هاكر) في العربية؛ لذا سنضعه كما هو عليه، ولنشرع في تعريفه نوضح أنه لا يَقتصِر إطلاقاً على المَجال التقني وإنما –كما أرى– قد يُطلق هذا اللفظ على كُل عَبقري في مجاله له شأن، وفي سياق أن التميُّز هو الوصول لما لا يُمكن لغيرك الوصول إليه، فإن العبقرية هي أن تصل لما لا يُمكن لغيرك رؤيته والتطلع إليه، ولكِننا بصدد نِقاش ما يُدور بهذا المجال التِقني على حافة السينما وكيف يُصوره لنا، يقيناً بأن تلك ما هي سوى ثقافات لا يجب التخلف عنها وليست قواعد يجب اتباعها.
تتمركز تلك النوعية من الأفلام على فكرة عدم مشروعية الـ(Hacking) وأنهم أحد مُسببي الكوارث الإنسانية والاغتيال الاقتصادي للأمم، ولئن نظرن إلى أقسام الوظائف لفندنا هذه الفكرة تفنيداً؛ فليست الإشكالية بتعريف شخص على أنه (هاكر) وإنما الحُكم يكون بكيفية استغلاله لما أُتي به من علم، فكلاهما من يَسرق البنوك ومن يحمي خُصوصية العملاء على أتم قرابة الخبرة والعلم بعضهما من بعض، ولكن الاختلاف في السلوك الناتج عنهما، فأري أن تقسيم (الهاكرز) لمجموعات مثل "القبعة البيضاء" و"القبعة السوداء" كان مِن المُفترض أن يكُون تصنيفاً للسلوك وليس للـشخص، ولولا الأخير –سارق البنوك– لما وجدنا نحن وظيفة. فليس بالضرورة أن يرتبط الـ(Hacking) كعملية تِقنية بأصل النوائب الخراب.
كما من الشائع أنه من أعظم أركان الـ(Hacking) تلك الشاشة السوداء المليئة بالسطور الخضراء وعلى يسارها صُورة عَبثية لشَخص مُقنّع، وربما جُمجمة مرسومة بالحروف الصغيرة بلونٍ أبيض، ومن المَعروف أنه من دون تلك الصورة ما نجحت عملية الاختراق اللعينة… لرفع هذا اللبس، فإن كانت الشاشة مُستخدمة بالفعل يُمكنك تَخصيصها بما تُريده مِن ألوان، ولكنها لا تتدحرج لأعلى بِسُرعةٍ البرق، وإنما تُستخدم لكتابة بعض الأوامر الواضحة؛ ومِن ثم يسوغ الاعتماد على برمجيات ذات نافذة ومَظهر طبيعي مُنظمة في عرض البيانات أشد تنظيم.
ووجبت التفرقة بين سُكان تلك الوظائف التِقنية وسُكان الكُهوف؛ فليس على (الهاكر) أن يكُون شاباً في العشرينيات يعيش مَعزولاً مُنكِراً لمجتمعه، أصابه شيء من أقوال الغُواة. وهذا بالطبع بعد أعوام لا تُدركها أصابع اليدين مُجتمعة.
الواقع غير ذلك؛ فكغيرها مِن المِهن شبه المُعقدة عِمادها الالتزام والمُثابرة وليس السحر والطلاسم، ففي غضون نصف سنة يُمكنك تحقيق مُبتغاك من تعلمها وتَكُون على شفا خُطوة من احترافها، وربما كانت الصُورة الأصلح هي صورة مُهندس بَدين –كأغلب من أعرفهم– يُحملق في شاشة الحاسوب تارة فيُمسك رأسه بيديه، ناظراً إلى سقف الغرفة يُفكر كيف يتصرف وتتراوح بين تلك التصرفات رشفات قليلة من القهوة.
فلو حَكمنا على مادة الأفلام التي تُعرض في هذا السياق على المُستوى العربي لوجَدنَاها تَجربة سينمائية جيدة، ولكِنها على المُستوى التِقني واهنة قد تصل عِند المُثقفين حد الإهلاس، لما تمتلكه من تَواضُع عِلمي قَد يتسبب في إلقاء العَمل بالكامل إلى التهلكة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.