مُعجب أنا بالأفلام السينمائية التي يقدمها المخرج الكبير "كريستوفر نولان"، وأنتظر مع الملايين طرح كل عمل جديد من إخراجه.. هذه التدوينة محاولة لقراءة بعض ملامح سينما كريستوفر نولان، التي تجعل أفلامه تروق لي وللملايين حول العالم في كل مكان.
أبدأ بتعريفه بشكل سريع.. هو مخرج، ومنتج وكاتب بريطاني/أميركي اسمه كريستوفر جوناثان جيمس نولان (بالإنكليزية: Christopher Jonathan James Nolan)، له العديد من الأفلام الأكثر نجاحاً تجارياً ونقدياً في أوائل القرن الحادي والعشرين. أرباح أفلامه التسعة تجاوزت 4.2 مليار دولار أميركي عالمياً، وحصل على ما مجموعه 26 ترشيحاً لجوائز أوسكار و7 جوائز، ويعد عدم حصوله على جائزة أوسكار حتى الآن طعناً -من وجهة نظري- في مصداقية الجائزة..
ملامح سينما كريستوفر نولان
الزمن
الزمن والوقت سمة مميزة في أعمال "نولان"، ويبدو أيضاً أنهما هاجس مُلحّ على تفكيره، رأينا حبكة فيلم "مومينتو/Memento" عن ألعاب الذاكرة مع البطل الذي يفقد ذكرياته باستمرار وبشكل متواصل.. في "إنسيبشن/Inception" استثمر المخرج عالم الأحلام لتكثيف اللحظة الزمنية بشكل أكبر وممتد، فعن طريق الحلم داخل الحلم عشنا أحداثاً ومغامرات كاملة في ساعات محدودة برحلة الطائرة التي يستقلها أبطال العمل.
في ملحمة "إنترستيلر/Interstellar"، كان الزمن حاضراً بقوة طوال سياق السرد السينمائي، وعلى عدة مستويات.. من كوكب الأرض الذي يصارع الزمن قبل الفناء، الرحلة الفضائية التي تسابق الزمن للعثور على كوكب صالح للحياة، تباطؤ الزمن قرب "الثقب الأسود" وتأثيره على شخوص الرحلة الذين مرت عليهم أعوام كثيرة في ساعات معدودة وانعكاس هذا الحدث على الأفراد على الأرض الذين عاصروا الزمن والوقت كما هو؟! الزمن هو العدو في الفيلم الذي سبق أن كتبت عنه تقريراً على موقع "أراجيك" بعنوان: "Interstellar.. رحلة مُذهلة فى أعماق الإنسان".
هاجس الوقت انتقل من "نولان" إلى مبدع الموسيقى التصويرية "هانز زيمر/Hans Zimmer"، الذي تعد موسيقاه العظيمة ملمحاً هاماً آخر من ملامح تميّز سينما المخرج الكبير.. يمكن رؤية هذا بوضوح في فيلم "إنترستيلر"، حيث تدور الموسيقى حول مفهوم الوقت وعقارب الساعة التي لا ترحم، استمع إلى مقطوعة من موسيقى الفيلم بعنوان NO TIME، وركِّز وانتبه إلى صوت عقرب الثواني وهو لا يكفّ عن الحركة.
المدينة
المدينة عند "نولان" تمثل العالم من وجهة نظره طبعاً، والإنسان هو الإنسان. في ثلاثية "فارس الظلام"، التي سبق أن كتبت مقالاً عن الجزء الثالث منها، يشير "نولان"، بشكل غير مباشر، إلى بعض أمراضها المتوطنة مثل الرأسمالية، التي لا تختلف كثيراً عن اللصوصية، شاهدنا في الجزء الثاني من الثلاثية المشهد الشهير الذي يحرق فيه "الجوكر" كمّاً مهولاً من المال متراصاً في شكل هرم مدرج غير مكتمل، وهي العلامة الشهيرة المرسومة على الدولار، مطلِقاً عبارته الشهيرة: "هذه المدينة بحاجة إلى طراز أرقى من اللصوص"..
من الفيلم نفسه والمشهد الشهير للعبّارتين؛ واحدة بها ناس أبرياء والأخرى تنقل لصوصاً ومجرمين.. نرى كيف يسخر المخرج من "الديمقراطية" في مشهد الاقتراع على تفجير "العبّارة" الأخرى! وبينما يربح الرأي القائل بتفجير العبّارة التي تحمل المجرمين، نرى نحن في قطع متوازٍ رفضَ اللصوص تفجير العبّارة/الباخرة التي تقلُّ الأبرياء. مشهد مثير للاهتمام جداً؛ بسبب أفكاره وطريقة تنفيذه وإخراجه بهذا الشكل.. من قال إن الديمقراطية صالحة للتطبيق في كل وقت ومكان أو للظروف والمستجدات كافة؟ الديمقراطية هي أحد الأوهام التي صدّرها الغرب لكل العالم تحت زعم العولمة..
السينما فنّ وإبداع
من الملامح المميزة لسينما "نولان" المَشاهد النظيفة، بمعنى خلو الكادرات والمشاهد من الدماء والأعضاء البشرية المتطايرة أو المبتورة.. أيضاً، تخلو غالبية أفلامه من مشاهد الجنس، التي أصبحت قاسماً مشتركاً في العشرات من الأفلام الأخرى لهوليوود.. الفن لم يرتبط قط بالتقزز والاشمئزاز، ومبرر بعض المخرجين لهذه النوعية من المشاهد تحت دعوى "الواقعية" خطأ لا أتفق معه. فالسينما فن وإبداع قبل أي شيء، وما يفعله هؤلاء هو اللعب على عامل الإثارة والعنف لجذب الكثير من المراهقين..
كفنان قبل أن تكون مخرجاً، أنت لست بحاجة إلى تصوير القبح والعهر والإباحية تحت أي مسميات، في العصر الذهبي للسينما المصرية رأينا مخرجين كباراً مثل "صلاح أبو سيف" يصورون "الحارة المصرية" الفقيرة بلا إسفاف من أي نوع.. كانوا يكتفون بالحد الأدنى من كل شيء لتصوير الفقر بضعف الإمكانات وليس بتصوير القبح..
لي عودة مرة أخرى مع "نولان" لعرض المزيد من ملامح تميُّز أعماله السينمائية، التي تجعلنا ننتظرها في ترقب ولهفة..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.