كلّ شخص منّا لديه تجربته الخاصة، سأحدثكم عن تجربتي في الكتابة التي بدأت معي منذ كان عمري أربع عشرة سنة.. كتاباتٌ عفويةٌ نابعة من قلبٍ يختلج بالعنفوانِ وحب الحياة، واكتشاف كلّ ما هو جديد!
القراءة هي من جعلت القلم تعتاده يداي، ويخطّ عما يستوحيه خيالي وما تراه عيناي!
ربما كانت كلمات بسيطة وعبارات قصيرة، لكنّها تحمل في طياتها معاني عدة، لا يفهمها إلا من يدرك روح الطفولة، وبقيت الكتابة تنبض في داخلي إلى أن بدأت حياتي الجامعية؛ لأجد أن الحياة بدأت تكبر في عيني أكثر وأكثر!
وتتطلب منّا أنْ نواجه كل ما يعترك طريقنا بالعلم وبالمعرفة، لكن كيف سنصل إلى تلك النقطة المهمة؟
هنا يأتي دور القراءة في زيادة ثقافتنا واطلاعنا على العالم من حولنا، وألا نكتفي فقط بدراسة الكتب المطلوبة منّا كمقرراتٍ جامعية، إنما حقول المعرفة ممتدة ولا نهاية لها كسماءٍ بلا حدود!
لكن يأتي دور من يريد الكتابة، كيف سيجعل من كتباتِه رسالة لكلِ قارئٍ يختار قراءة حروفه؟
عليه أنْ ينتقي الكتب التي تجعل منه كاتباً حقيقياً، وتزيد من ثقته بنفسه؛ لينتج إرثاً أدبياً تتناقله الأجيال ويُحفر اسمه في الذاكرةِ على مرّ السنين، وليولدّ حضارةً ثقافيةً تجمع ثقافات العالم في كلماتٍ تمدنّا بالإيجابية؛ لكي نرتقي بأفكارنا وواقعنا المزدحم بالهموم، كأنْ نجعل الكتابة هي المقاومة التي نقاوم بها الشعوب الطاغية على بلادنا، لنجعل شبابنا جيلاً يدرك الوطنية ويعزز انتماءه لأرضه بحروفه الساطعة على الأدب بأكمله. فالقراءة الحقيقية لم تستند فقط على الروايات والدواوين الشعرية، إنّما بالنسبة لي تمتد إلى قراءة كلّ ما يتعلق بمجالات الحياة المختلفة، فبدأت أختار عدة كتب تحمل عناوين تتعلق بالذاكرة وبالسلوك والحياة التعليمية والوظيفية وغيرها، لكنّ بعض ما اخترت منها مثلاً "تطوير الذاكرة" للدكتور نزار المحلاوي، وأيضاً كتاب "تريده، تصوره، ستحصل عليه!" للدكتور جيني غراهام سكوت، والقراءة المثمرة للدكتور عبد الكريم بكار وغيرهم الكثير؛ لأجد أنّني بدأت حياةً أخرى، وبدأت أدرك حلّ كثير من القضايا التي أواجهها أحياناً، كيف سأجعل مستقبلي طريقاً ناجحاً سأسير على ربوعه منذ الآن، دون خوفٍ وتوتر؟!
حيث التنوع في مجالات القراءة المختلفة يجعل منك شخصاً قادراً على تفسير الشواهد، ليس ذلك فحسب، بل أيضاً ملمّاً بوقائعِ الحياة المختلفة، التي في زماننا هذا تتطلب منّا المعرفة أكثر فأكثر!
عالمنا أصبح واسعاً بما يملك من عقولٍ نيّرة منتشرة، ناتجة من الثقافة المتنوعة التي تصب في قالب الكتابة الحقيقيّة، المستوحاة من عمق التجربة والمشاهدة، هذا ما يتوصل إليه القارئ الحقيقيّ، سيد الاختيار وذو النظرة الشاملة نحو تطلعات الحياة ومجرياتها إلى منتهاه.
لكنّ الأهم من ذلك قبل الوصول إلى تلك القناعة، هو كيف سنُبسط أمور حياتنا لنتعامل معها بخفةٍ وعقلانية؟
الإيمان بقدرتنا العقليّة على تفسير الشواهد التي نراها، لكنْ بعد التوكل على الله؛ لكي نصل إلى ما ينبغي علينا الوصول إليه، هنا سنشعر بتلك القناعة الحقيقية التي تحتاجها أنفسنا قبل عقولنا!
إذن ما توصلت إليه من هذه التجربة التي جعلتني أرى عالماً آخر مختلفاً عما يراه من حولنا المتذمرون من الحياة وشوائبها، أنّ اختيار القراءة الصحيحة هي السلوك الذي سوف ينعكس على طباعنا قبل كتاباتنا؛ لأنّ الكتابة السليمة تنبعُ من سلوكٍ متزن على جناحِ الحياة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.