ما هو الذكاء الاصطناعي؟ ليس من اليسير الخوض في تعيين تعريف مُناسب هنا، خاصة أن سلمنا بعدم وجود تعريف مُوحد للذكاء في الأصل. فلنفرض أن الذكاء الاصطناعي هو كينونة الذكاء الإنساني مُمَثلاً ومُوظفاً جُزئياً في المجال الصناعي، وهذا تجنباً لأي تعريف أفلاطوني آخر، ويسمى النظام بأنه "ذكي" في حالة صَعُب التفرقة بين ردوده وردود الإنسان، وهذا يعني أن أي نظام مُخرجاته قاصرة على مُدخلات وأوامر المُطور هو نظام لا يرتقي بالضرورة لأي من مراتب الذكاء الاصطناعي، ومما لا شك فيه أن قضايا الذكاء الاصطناعي استحوذت على الشطر الأوسع من الساحة الإعلامية بمسرحياتها العبثية مثل "صوفيا" ومن مثله، التي ليست ذا موضوع في مجال الذكاء الاصطناعي كما رأينا في الآونة الأخيرة.
لا أدري منذ متى يتفوق المصنوع -وعياً- على الصانع؟ لماذا كُل تلك المخَاوف؟ ربما الدُمية "صوفيا" التي تظهر مع الإعلاميين حالياً يمكنها بالفعل تركيب جُمل مفيدة وصياغتها أحسن صياغة ولكن ليس لها شأن بإدراك ما تقوله، فتتمركز مُنظمة أي ذكاء اصطناعي على ثلاث خطوات رئيسية؛ أولاها تجميع المعلومات من البيئة المُحيطة (تشمل الآدميين)، مروراً بمرحلة مُعالجة المُعطيات ووقوفاً عند اتخاذ القرار أو الحدث المُناسب، فمثلاً يقف شخص أمام آلة تعمل بالذكاء الاصطناعي فتلتقط صورة له وتلك المرحلة الأولى، تُعالَج تلك الصورة بالخوارزميات المُدمجة لتتأكد من هوية الشخص وذلك ثانياً، وأخيراً تُتخذ القرار بصلاحية دخول الشخص إلى المؤسسة استناداً إلى قواعد البيانات أم لا، وتُحدد نسبة الذكاء بمدى كفاءة مرحلة المُعاجلة (المرحلة الثانية) ويجب كما نوهنا ألا تكون القرارات مُعدة سلفاً من قِبل المطور.
فما نتج عن ذلك سوى صورة غير مُنصفة لوضع الذكاء الاصطناعي حالياً وربما أعطته الصحافة أكبر مما يستحق، أما بخصوص فكرة سيطرته على العالم وعزله للجنس الآدمي فهو توقع منزوع السياق، وفي الوقت غير المناسب ولا يوجد ما يدعو للخوف حتى الآن.
الذكاء الاصطناعي مُتفوق بجدارة في تنفيذ الأوامر ومُعالجة الاحتمالات بسرعة فائقة كما في لعبة الشطرنج، فالفارق بينه وبين آدمي مُنافس له هو أن الروبوت يُطبق قواعد اللعبة بإحكام بلا غفلة ويضع حساباته بالاحتمالات حتى يصل للاحتمال الأصلح بناء على ما جاء به من خوارزميات مُعقدة وتعليمات دقيقة.
على ضفة أخرى فالذكاء الاصطناعي أصلح للقيام بالأمور الخطيرة، كتوظيفه في رحلات الفضاء مثلاً، وربما بعض الوظائف الروتينية، مما يشكل خطراً على الموظفين، وكذلك لا ننسى المُساعد الشخصي الخاص بأمازون ومايكروسوفت وغيرهما، الذي أثبت قيمته ونال ثقة العديد من المُستخدمين، ومن وجهة نظري هو أصلح من الدمية التي يستضيفها الصحفيون، ولكن شئناً أم أبينا فإن تلك آلات لا تعي ما تقوم به.. على الأقل حتى الآن.
قدرات الذكاء الاصطناعي محدودة للغاية، إن تطرقنا إلى ما نخشاه منه، فمحدودية الذكاء الاصطناعي في الاستدلال بالاستقراء أو بالاستنباط حتى الآن لا تدعو للقلق؛ حيث إنها خاضعة لعملية التعلم تحت الرقابة، وتتم بإشراف المُطورين، مثل تطوير السيارات ذاتية القيادة، فقاعدة بيانات نظام الذكاء الاصطناعي هنا تحمل أغلب الاحتمالات المطلوبة، وهي مُسجلة سلفاً مما لا يدع مجالاً لاجتهاد الآلة، وهذا لا خوف منه.
وما قد يثير القلق هو اجتهاد تلك الآلات وترك لها المجال للتعلم بالاستقراء عن طريق التجربة والفشل، وهذا يُشبه كثيراً منظومة (العصا والجزرة)، ويعتمد النظام هنا على فحص رد فعل البيئة المُحيطة تجاه تصرفاته بالإيجاب وربما بالسلب، وبناء على هذا يُحدد إن كان الفعل مقبولاً أم مذموماً، وهذا ما تم توظيفه في بعض الألعاب، وهذا يُعد تجاوزاً صريحاً لسيطرة الإنسان عليه، والقلق من هذه الجزئية يُضارع الخوف من سالفتها بأنه قلق ليس في وقته.
وفي الأخير.. لسنا هنا بصدد اتخاذ موقف ضد الذكاء الاصطناعي بذاته، ولكن ضد من يتفيهقون بالأخبار مُبالغين في حقيقتها بلا تحرز ولا أناة؛ فتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تزال في مهدها، وليس هذا الوقت المُناسب للخوف منها أو عليها، ولعل هذا الوقت لن يأتي، فنحن لسنا في فيلم سينمائي يُريد فيه الإنسان والروبوت تفنيد بعضهما البعض بَغياً لأرزاق الأرض العظيمة، فبدلاً من هذا الجدال دعونا نواكب تلك التباشير بالاستثمار فيه، وتعلم فروعه وأصوله.
وفي الختام.. لا ننسَ أن الروبوت ما هو إلا طفل صغير يُريد أن يُدرك هذا العالم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.