قرأت على الفيسبوك أن اليوم ذكرى المبدع صلاح جاهين، استحضرت تلك الكلمات التي عشقتها وردّدتها في محاولة لتقليد صوت إيناس جوهر، التي كان صوتها ينبثق مع موجات الراديو في صباحات طفولتي.
فتّح عينيك وامشي بخفة ودلع.. الدنيا هي الشابة وانت الجدع
تشوف رشاقة خطوتك تعبدك.. لكن انت لو بصّيت لرجليك تقع … وعجبي
سألت نفسي: هل أحببت تلك الكلمات فعلاً أم أنه سحر النوستالجيا والتي يعيد لنا أحاسيس عشناها قديماً في أيام براءتنا التي انسحقت؟!
فكرت في الأشياء التي لا تروق لي فعلياً، ولكني ارتبطت بها وأنا مسحورة بالنوستالجيا، وقررت أن أجيب بأمانة وصدق عن أسئلتي الفضولية التي لن تقدم أو تؤخر شيئاً في عقارب الحياة المستمرة في السير بانتظام.
هل أحب صوت وأغاني أم أكلثوم التي أستمتع بسماعها وأنا أسير في شوارع المحروسة الضيقة؟
الإجابة بصراحة لا، ولكنني أحببت أغانيها بعد أن غنّاها الغير، وبذلك اكتشفت أنني لا أحب صوت أم كلثوم.
أعلم أن الكثيرين سيصبون عليّ لعناتهم وسبابهم؛ لأنني اعترفت بما لا يروق لهم، ولكن هذا لن يغيّر في رأيي شيئاً، ولكني أشتاق لسماع صوتها عبر الأثير، وهي تغنّي "ألف ليلة وليلة"، وأنا جالسة أقزقز اللب في بلكونة جارتي الحبيبة وأمي الثانية طنط ليلى، رحمها الله.
هل أحب طبق الفتة الذي يزيّن مائدتنا يوم العيد؟!
للأسف لا، فأنا أجده خلطة غير قابلة للخلط وعجيبة في تناقضاتها، نعم هي متناقضة، سأوضح لكم كيف، تقوم السيدة المصرية الأصيلة بتحميص العيش البلدي ووضعه في قاع الصينية ثم تتم تغطيته بالشوربة لكي يصبح طرياً! لماذا تم تحميصه إذاً؟ لا أعلم.. أيضاً خلط الأرز مع الخبز عجيب بالنسبة لي، فلا علاقة بينهما تستوجب جمعهما في صينية واحدة، ولا حتى ملعقة واحدة، ولكنها تذكرني بجدتي الحبيبة وهي تعد صلصة الفتة بإتقان، وتزيد من حبات الثوم فيها وهي تقول: "علشان تاكلوها بالهنا"، نعم أشتاق لجدتي ولفتّتها!
هل أحب صوت عبد الباسط وهو يرتل القرآن؟!
بالتأكيد لا، والسبب النوستالجيا أيضاً، هناك نوستالجيا لأحاسيس جميلة وأيضاً أحاسيس مؤلمة، ولقد ارتبط صوت عبد الباسط ارتباطاً شرطياً بالموت والعزاء والفقد، وبناء عليه كلما سمعت صوته ينقبض قلبي وأستعيد لحظات الألم، وأيضاً أتذكر والدتي وهي تستمع له في المطبخ من جهاز الراديو الصغير، وهي تعد لنا وجبة الفطور، فأجد مشاعري مختلطة وتظل تتفاوت بين اشتياق وانقباض.
هل أحببت أغاني إيهاب توفيق وحكيم وحسام حسني في الثمانينات؟!
للأسف لا، ولكني أحببت إحساسي وأنا أسترجع ذكريات تلك المرحلة، وهذا لا يعني أن كل الذكريات وقتها جميلة وسعيدة، ولكن هناك شيء من الحنين للماضي قد يكون؛ لأنه انتهى بلا رجعة، وأننا اكتشفنا أنه ليس بالسوء الذي ظنناه بعد أن عِشنا ما هو أسوأ.
هل أنا فخورة بمكان ولادتي وموطني؟!
لا.. الشعور بالفخر بالبلد أو الجنسية أصبح غير مقبول عندي، فلو فكرنا قليلاً في سبب الفخر سنجد أن المنطقي أن يفتخر الشخص بعمل قدمه وإنجاز أنجزه، و ليس بشيء لم يملك فيه شيئاً، ولكني أعترف أنه أحياناً تنتابني مشاعر الغضب والحزن لما يحدث في بلدتي، لا أعلم هل هذا حباً فيها أم رفضاً للظلم في العموم أم نوستالجيا؟!
هل أحب صوت المفتاح وهو يفتح باب الشقة؟
نعم.. كلما سمعت هذا الصوت خُيّل لي أن أبي أو أخي قد عادا، رغم أن نفس الصوت سابقاً كان يزعجني؛ لأنه إشارة لعودة والدي من العمل مكفهراً وقد يتعصب عليّ لسبب لا أعلمه، و لكني الآن أتمنى أن أسمع ذاك الصوت يدار في الباب، وأجد والدي وأخي قد عادا وعادت معهما بهجة الحياة.
هل أفتقد سماع صوت جرس المدرسة؟
بالطبع لا.. هذا الصوت عند سماعه أعود لمرحلة لم أعُد أتذكر منها شيئاً سوى أنني لم أكن سعيدة، ولا أعلم هل السبب في المدرسين أم الطالبات أم فيّ ولكني لا أفتقدها، ولكني عندما أسمع صوت الجرس أبتسم وأتذكر أنني كنت في يوم ما أنتظر تلك اللحظة لأنطلق خارج الفصل خارج سور السجن.
هل أفتقد صوت المسحراتي في رمضان؟
لا ونعم.. ستتعجبون لذلك، ولكن الحقيقة أن المسحراتي كان يهتم بذكر اسم أخي الأصغر ولم يكترث بي، قد يكون لأننا في مجتمع ذكوري، وكان عيباً أن نقول أسماء البنات؛ لذلك قد تكون الإجابة لا، ولكني في نفس الوقت أفتقد ذلك الوقت الذي كنا نحمل فيه فانوس رمضان في الشارع قبل أن يضرب المدفع بدقائق معدودة، كما أفتقد فوازير شريهان ونيللي وكل مَن قدموا فوازير رمضان، فسماع المسحراتي يعيد لي إحساساً جميلاً أحبه وأفتقده.
هل أفتقد صوت لعبة ماريو؟
نعم.. ليس لأن تلك اللعبة كانت المفضلة عندي، ولكن كانت لعبة أخي الصغير -رحمه الله- المفضلة، كنا نتعارك على استخدام الأتاري، وكنت أجلس أشاهد مهارته الكبيرة في جعل ماريو يتسلق ويحصل على كوينز كثيرة، أتمنى أن يعود وأعِده بأن أتركه يلعب بها وقتما شاء، فأنا أفتقده هو بشدة وليس ماريو.
أخيراً.. هل أفتقدني وأنا طفلة؟ بالتأكيد نعم، وأتمنى أن تسحرني الساحرة الشمطاء بعصا النوستالجيا، فأعود طفلة لا تأبه لشيء سوى اللعب في الشارع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.