الأسبوع الماضي كان ابني الكبير لديه مباراة تنس، ذهبت معه لمشاهدته، كالعادة جلست بالخارج أشاهد المباراة بدون أن أشجع أو أعلق، أشاهد وأنا صامت مثلما يطلب مني هو دائما.
في هذا السن الصغير الحكّام ما زالوا ليسوا على خبرة جيدة، يخطئون أحياناً بدون قصد وهذا شئ طبيعي، ومن المفترض أن الأولاد يصلحون للحكم أو يقولوا له أنه أخطأ في كذا، سواء في حساب نتيجة أو رأى كرة خطأ ( يعني قال إنها بالخارج وهي بالداخل مثلاً)
في أول المباراة كانت هناك كرة قال الحكم للولد الذي يلعب ضد ابني، أنه دفع الكرة بالخارج، لكن ابني كان يراها أنها بالداخل، ورفع يده وقال للحكم أنه خاطئ وطلب منه يحسب النقطة للولد.. طبعا الحكم سكت وفعل ذلك، لأن مستحيل يكون هناك شخص يحب أن يخسر نفسه.
بالنسبة لي هذا شئ طبيعي، ليس من المقبول بالنسبة إلينا أن الشخص يسرق نقطة لكي يكسب في ماتش تنس، وأنا متفق مع أولادي أنهم لو في يوم سرقوا نقطة في أي مباراة حتى لو لم يراها الحكم، سأوقف نشاط التنس نهائياً.
الجميل في الأمر أن الولد الذي يلعب ضد ابني شكره، وكذلك والدته صفقت له وشكرتني أيضاً.
حتى الآن القصة لطيفة وتبدو مشابهة لقصص ونيس الأخلاقية.
المهم بعد عشرة دقائق من المباراة، تحمس اللاعبان والنتيجة أصبحت متقاربة جدا.
ضرب ابني كرة بقوة، ونزلت داخل الملعب والولد الذي يلعب ضده، رآها وصفق له بروح رياضية والأم تقبلت الوضع، لكن الحكم رأى أنها بالخارج، على الرغم أنها كانت واضحة جدا للكل حتى للولد الذي ضده.
قلت أن الولد سيفعل مثل ابني ما فعل، والأم أيضاً على الأقل ستفعل مثل ما فعلت.
الولد لم يخيب ظني، ولما سأله ابني " مش انت شايفها جوة؟" رد الولد بمنتهى البراءة: " أيوة الكورة جوة.. ضربة حلوة".
حتى الآن مسلسل ونيس ما زال يعمل جيدا.
الحكم لم يسمع الحوار، وكان يبحث عن علامة الكرة، وهو يفعل ذلك، أدار الولد وجهه لوالدته، التي ردت بمنتهى الهدوء: "اترك الحكم يبحث عن علامة الكرة، ربما تكون بالخارج فعلا!".. الولد بمنتهى البراءة رد: " يا ماما الكرة بالداخل واضحة جدا"، زغرت له أمه وأمرته أن يسكت.
نزل الحكم على الأرض وظل يبحث عن علامة الكرة، وقال أنه لم يجدها، وأنه متأكد أنه رآها بالخارج، وعرض أنه من الممكن إعادة الكرة.
قال له ابني: أنا ومن يلعب ضدي رأيناها بالداخل لماذا نعيدها؟
رد الولد وهو ينظر لأمه بخوف: لست متأكداً، ممكن أن نعيدها.
الحكم بعد فترة قرر أن لا داعي أن يعيدوا الكرة، وأن رأيه هو الصواب ، وحسب النقطة على ابني، توتر ابني قليلاً لكن بعدها استكمل اللعب وتقبل الأمر.
خسر ابني المباراة، وعلى كل حال هذه النقطة لم تكن ستغير النتيجة والموضوع انتهى.
بعد المباراة، من المعتاد أن الأهالي يلقوا التحية على بعضهم، وأهل اللاعب الكسبان يقولوا كلمتين وينتهي الموضوع.
والدة اللاعب الذي كسب ابني، بالفعل جاءت وقالي لي: " ربنا يبارك لك في ابنك وفي أخلاقه وأمانته".. صمت أنا ولم أرد تماما، ولم أعرف ما المفترض أن أفعله.
بعد لحظة من الصمت قالت: " أعرف أن الكرة كانت بداخل الملعب وابني يعرف كذلك، لكني أخاف أن أعلم ابني أن يكون أميناً بهذا الشكل، لأن ذلك سيجعله يخسر في مباريات أخرى، وليس كل الأهالي محترمين مثلك ويقولوا لأولادهم أن يقولوا الحق، فيتركونه يسكت ، ومرة يكون الحق معه وأخرى يكون الحق عليه، لكن فكرة أن يكون الولد حقاني ستذهبه في داهية" وذهبت في صمت.
لو الولد رباه أهله على فكرة التعايش مع الكذب والسكوت عن الحق في شئ بسيط مثل هذا مباراة تنس، إذاً ليس من الغريب أن يكبر هذا الولد ويصبح إعلامياً أو محامياً أو كاتب أو غيره، يظهر ويكذب أو على الأقل يسكت عن الحق عملاً بنظرية هذه المرأة " فكرة أن يكون حقاني سيذهب في داهية"!..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.