يظن البعض أن نهج المونتيسوري يشجّع على ترك الطفل بلا تهذيب وبلا توجيه، وقد يظن آخرون أن ماري مونتيسوري اهتمت فقط بتحصيل الطفل ومهاراته دون الاهتمام بسلوكه وآداب التواصل.
هذه الظنون بعيدة كل البعد عن الحقيقة؛ الطفل الذي يتم توجيهه بطريقة المونتيسوري يتعلم آداب اللقاء والضيافة والحوار والطعام منذ نعومة أظفاره من خلال أساليب عديدة، منها الاقتداء بالبالغين، وتمثيل الأدوار والحكايات والتوجيه المباشر.
كل هذا بدون الإخلال بقواعد المونتيسوري الأساسية التي تحثّ على احترام الطفل، واحترام قدراته وفقاً لمرحلته العمرية واحتياجات شخصيته.
الذوق والكياسة يمثل فصلاً كاملاً من منهج المونتيسوري لتنمية المهارات الحياتية، ويشمل:
* الحمد والشكر والرضا.
* استخدام: من فضلك، وأهلاً وسهلاً، ومع السلامة، وأشكرك، وآسف.
* آداب الحوار: الإنصات، وعدم المقاطعة، والتحدث بهدوء، والتعبير عن المشاعر باستخدام الكلمات.
* آداب الطعام: إعداد المائدة، وقدسية الغذاء، وعدم اللعب بالطعام، وإفراغ بقايا الطعام في السلة ووضع الطبق في الحوض.
* مراعاة مشاعر الآخرين في مواقف حياتية عديدة.
* إذا نشأ الطفل وسط عائلة تنظر دائماً إلى نصف الكوب الفارغ وليس لديهم القدرة على الاستمتاع بشيء أو الشعور بالرضا، وإذا لم يسمع سوى الشكوى والسلبيات والتذمر، وإذا لم يشعر بسعادة حقيقية تنبع من أهله فسوف يكبر هذا الطفل ساخطاً غاضباً ساخراً، والمشكلة ليست في صفاته كشخص بالغ؛ المشكلة الحقيقية تكمن في تعامل هذا الطفل مع أهله من خلال هذا المنظور، بل أول مَن سيواجه غضب وسخط هذا الطفل هم الأهل، وسوف يعانون من هذا الكائن "الجاحد" العبوس الذي يشكو من الطعام والشراب والخروج والفسح واللعب، ولا يقدر أياً من محاولات أهله لإسعاده وإدخال البهجة على قلبه.. قبل أن تطلب من الطفل تقدير المتع التي توفرها له، يجب أن يراك تقدّر النعم والعطايا التي في حياتك.
* أما بالنسبة لموضوع مثل الاستئذان، فمعظم الأهل يشجعون الطفل على استخدام "من فضلك"، ويتعلم الطفل أن "من فضلك" كلمة سحرية تضمن له الحصول على مبتغاه.. يجب على الأهل تذكير الطفل في كل مرة يستخدم فيها "من فضلك" بأن الطرف الآخر حر، ومن حقه أن يقبل أو أن يرفض طلب الطفل.
* وفي تمثيل الأدوار يستأذن الطفل مرة فيجاب طلبه، وفي مرة أخرى يرفض طلبه، أو قد يقبل طلبه بشرط الانتظار حتى وقت معين "ممكن تلعب بالقطار بعد أن ينتهي عمر من اللعب به.. الآن يمكنك أن تلعب بالسيارات".
ومن حق عمر أن يتمسك بالقطار ويصر على أنه لا يريد لأحد أن يلعب به.. يمكن هنا للأهل اقتراح لعبة جديدة يلعب بها الطفلان معاً، ومن حق الأطفال رفض الاقتراح أو قبوله.
* يتعلم الطفل التعامل مع الآخرين من خلال مراقبة أهله وأسلوب ترحيبهم بشخص يعرفونه جيداً، أو التعامل مع شخص غريب عليهم. يتعلم الطفل استخدامات "أشكرك" عندما يشكره أهله، وعندما يسمع أهله يشكرون مَن قدّم لهم خدمة.
ونفس الشيء ينطبق على الاعتذار؛ إذا أخطأت في حق طفلك لا تتكبر واعتذر اعتذاراً يليق بكَ وبه.. هكذا يتعلم الطفل كيف يستخدم "آسف" ويعنيها!.
* مراعاة مشاعر الناس من أهم أسس الذوق والكياسة في نهج المونتيسوري؛ يجب أن تشرح لطفلك بالتفصيل كيف يراعي وجود شخص مريض أو شخص نائم أو شخص يقرأ أو شخص يقود السيارة ويحتاج التركيز.
يجب أن تشرح لطفلك مراراً وتكراراً عواقب أفعاله وحدود حرياته.. هو حر يلعب ولكن ليس من حقه إزعاج شخص يحاول النوم! هو حر في الاستكشاف، ولكن ليس من حقه استكشاف ما ليس له دون استئذان!
* الطعام يحصل على نصيب الأسد في الحياة اليومية في نهج المونتيسوري؛ لا يقتصر الطعام على فعل الأكل، بل يبدأ من اختيار المكونات الغذائية وشرح أهميتها، ثم تحضير الوجبات وإعداد المائدة وانتظار الجميع.
خلال الأكل يكون التركيز على الغرف وتبادل الملح والفلفل والجبن المبشور وحوارات خفيفة مبهجة دون صخب أو انفعال.
يتعلم الطفل أن يستمتع بمذاق الطعام، وأن يحترم قدسية تناول الوجبات.
* عندما يشترك الطفل في الحوارات الصغيرة عن يومه أو يوم أفراد أسرته أو عن مصادر الطعام وطرق زراعته أو نقله أو تحضيره، ينصرف ذهنه عن اللعب بالطعام أو الصراخ أو أي سلوكيات غير مرغوب فيها.
المساعدة بعد الانتهاء من الأكل شيء يتعلمه الطفل بالمراقبة والتوجيه، والدرس هنا ليس الانصراف عن المائدة وترك مهمة التنظيف والترتيب للأُم وحدها.
في المقال القادم سوف نستكمل الكلام عن الذوق والكياسة، ونتحدث باستفاضة عن آداب الحوار.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.