ربما تصبح بعض الدروس أصعب، وإدراكها أقسى، إن كنت تواجه الحياة منذ البداية بقلب مفتوح للجمال؛ فيكون عليك تذوّق مرارة أن ترى أحبابك يذبلون، أمامك، يوماً بعد يوم، تحت وطأة عذاب لا يستطيعون فهم سببه.
ثم تجد أنك، وهم أيضاً، صرتم تفهمون، لكن ليس فهماً عادياً، بل "تفهمون بحُرقة" معنى أن الناس يعاملونك أفضل إن كنت وسيماً.
أحد أقسى الأمور التي أدركتها، بعدما أتممت عامي الثاني والعشرين، أنّ الناس يعاملونك بلطف أكبر إنّ كنت جميلاً/ وسيماً.
والمقصود بالجّمال هُنا جمال الوجه، فبنت جميلة الشّكل وفارغة تماماً مِن الداخل غالباً تلقى حفاوة لا تستحقها في مقابل أنّ بنتاً غير جميلة الشكل وجميلة الروح مُمكن تُحرم مِن أبسط المشاعِر، بل وحتى حقوقها الطبيعيّة، لأمر ليس لها يد فيه.
ربما قاعدة "الناس يعاملونك بلطف أكبر إن كنت وسيماً" واضحة أكثر على المستوى الأنثوي.
فجمال البنت الجسدي يفتح لها حرفياً الأبواب المُغلقة، التي قد تُغلق للأبد في وجه غيرها؛ لأنّها غير جميلة حتى وإن كانت تستحقها!
"القليل من العلم والقليل من الأخلاق والكثير من الأنوثة تغلب الكثير من العلم والكثير من الأخلاق والقليل من الأنوثة".. تلك هي القاعدة.
المؤسف أكثر، أنني كنت أظن، مِن سن الثانية والعشرين وحتى تجاوزت الخامسة والعشرين، أن هذه القاعدة مُقتصرة على "الناس الضحلة السطحيّة مِن العوام"، وأنّ مجتمع "المثقفين العميقين" فرصة البنت غير الجميلة أو العادية فيه أفضل؛ لأنّهم "عميقين ومتنورين وكده". بعد سن السابعة والعشرين، كنت أرى أمامي الإجابة واضحة جليّة، أن فُلاناً وعلّاناً وأي عميق مثقف يعطي على مواقع التواصل إحساس البهجة والعمق ويقدس الموسيقى والشعر والسفر والثورة، وأن الشيخ فلان والصوفي علّان حاملي لواء التصوف والأخلاق والتخفف مِن الحياة الدُنيا والعيش في رحاب الله بحسّ ميتافيزيقي متجاوز، كل هؤلاء، كلهم وبلا استثناء، يعاملونك بلطف أكبر أنّ كُنتِ جميلة.
ألا نشعر بالألم، أمر مستحيل، وفي نفس الوقت، ما أقسى ألا نفهم إلا بماء المدامع.
من بضعة شهور، وصلتني رسالة على موقع الآسك لفتاة تشتكي أنها معجبة بشاب متدين شعرت أنه يبادلها نفس الشعور، لكن فوجئت أنه يبحث عن عروس، وحين سألته أوضح لها صراحة أنها "ليست أنثى".
"لا ترفع يدك عليهم منذ الآن.. فعددهم لا يُحصى، ليس قدرك أن تكون منشّة لطرد الذباب". – نتشه.
هكذا تكلم زرادشت، ليس ثمّة "جمال الروح يكفي"، كل تلك الأوهام التي تُسَوّق لنا صغاراً ونعتنقها هي ما تُزهق أرواحنا في نهاية المطاف. سنونٌ عجاف وجروحٌ غائرة تُزهقنا. لا جدوى من زرع الصحاري؛ إذ نحن ولدنا في مجتمعات تلك قوانينها أو تلك هي طبيعة النفس البشرية، لا جدوى من محاولة تغيير تلك القاعدة، فلنتقبل الأمر الواقع عوضاً عن زرع أوهام تبلعنا وتدهسنا بلا رحمة.
لا شيء أقسى، على فتاة في أوائل عُمرها، مِن أن تُرفض؛ لأنها ليست "أنثى أو جذابة أو جميلة أو.. وما إلى ذلك". وماذا بعد؟ يولد وينمو السؤال في رأسي كطفل رضيع يستوجب الفطام، هناك حل، نعم هناك حل لكن قد يبدو مبتذلاً قليلاً، لكن لنكن واقعيين. المبتذلون والمبتذلات ينعمون بحياة سهلة ومريحة، فيما لم نجنِ نحن مِن أبراج المثالية الشاهقة غير ذبولنا في عالم مجحف من خطوط العرض لخطوط الطول.
المشكلة لم تعد مجرد الألم النفسي الناجم عن التهميش أو الرفض على أساس المعايير الجسدية.
الأصعب من ذلك، أننا وجدنا حلاً، ونأبى استخدامه، هل تستطيع فتاة رُبيت تربية مُحافظة أن تتخلى عن بعض تحفظها وتُظهر بعض "الليونة" و"النعومة" "عشان المركب تمشي؟"، هل تستطيع العمل بمبدأ "القليل من الدلع لا يضر"؟
على حسب ما رأيت وسمعت من مشاكل، لا، لا تستطيع عادة.
السبب ببساطة: "أعطِ العيش لخبّازه"، من الصعب أن تتحول فتاة قضت العقدين الأولين من حياتها في بيئة متدينة محافظة لبنت دلوعة، تلبس أفضل ما يناسب شكلها، وتتحدث بألطف العبارات الأنثوية وتتعلم كيف وكيف وكيف.. حسناً، وإن تعلمت وعرفت كيف تسير الأمور، هل تفعلها؟! عادة تستحي.
لذلك، فإن الفتيات اللواتي يعتقدن أن جمال روحهن سر أنوثتهن، وكل تلك العبارات الساذجة، قد لا يكنّ مدركات مدى قبح الواقع. فالفتاة التي لا تهتم بأنوثتها وتراعيها كنبات ينمو على مهل بعناية، كما تراعي حالتها الأخلاقية والروحيّة، والتي لا تهتم بجمالها، أقصد جمال المظهر طبعاً، ستظل دائماً، بجمالها الروحي، في الفريند زون / الأخت فلانة، سيحبونك فعلاً لكن دائماً كأخت أو صديقة، تلك هي الحقيقة المُرّة.
كلامي هذا قد يبدو مُتحيزاً، قد يقول قائل إن الإناث أيضاً يسعين للارتباط بالشخص الوسيم. الحقيقة، لا. الفتيات عادة لسن كذلك وطبعاً هناك استثناءات وهناك فتيات يملن للرجل الوسيم.
لكن الفتاة عادة ما تسعى للرجل الشهم وإن كان شكله ليس وسيماً، فالوسامة هنا لا تقف عائقاً في الارتباط. ربما مرد ذلك، أن كل بنت أُم بالفطرة وإنّ لم تُنجب بعد.
النساء، بالطبيعة يتعاملن بأمومة مع الطرف الآخر/ الذكور، لا توجد أم ترى ابنها ناقصاً؛ لأنّه غير وسيم!
الشاهد.. أن فكرة ربط الخير بجمال الشكل خدعة قديمة من عصور ما قبل التاريخ. الناس يعاملونك أفضل إن كنت جميلاً منذ الأزل وللأبد.
وسواء كان هذا غير عادل أو غير مُنصف فالبكاء لن يُجدي نفعاً.
وسبّ وسخط الجنس البشري المشوه لن يُغيّر من حقيقة الأمر شيئاً، عوضاً عن ذلك، رُبما يجدر بكِ المواظبة على قراءة وتصفّح مواقع عن الأنوثة والجمال والإتيكيت بنفس القدر لتصفحّك لمواقع التواصل الاجتماعي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.