خرجت أكثر من فتاة على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي قائلات: إن المرأة المصرية هى أساس النكد في أي علاقة إنسانية، وإنهن البذرة العميقة لأي تدمير عاطفي للعلاقة الإنسانية التي يخُضنها أياً كان نوعها، خصوصاً لو كانت علاقة زوجية، فالمصريات بعد الزواج ينسين الحب والدلع، وينحصر اهتمامهن بالحفاضات وشراء طلبات المنزل؛ لنجد أنهن لا ينتبهن لضرورة أن يعود أزواجهن من العمل إلى وجوه صابحة لا يبدو عليها الإرهاق، تمتلئ بمساحيق التجميل وتقول "بنسوار" بابتسامة تفيض بالدلال.
وهذا طبعاً على عكس النساء الشاميات ذوات اللهجة التي تُذيب القلوب عشقاً، واللاتي لا يكلمن أزواجهن قبل عودتهم للمنزل بساعة طلبات؛ خبز أو زجاجة حليب أو حفاضات طبعاً، بل يتصلن بهم فقط ليقلن إنهن مشتاقات إلى "سبع البرومبة" للارتماء بين ذراعيه دائماً وأبداً، وهن طبعاً لسن كالأوروبيات الرائعات، ذوات القوام الممشوق والفرحة الدائمة والإقبال على الحياة.
وحقيقة الأمر لم أعِر هذا الهراء أي اهتمام، لولا فقط أن عددهن فى ازدياد ملحوظ، ولا أعرف هل هذا بسبب أنهن يرغبن فى الزواج وسئمن الوحدة مثلاً أم فراغ؛ حيث لم يجدن شيئاً ليفعلنه فقررن في ساعة صفاء الخروج علينا بمواهبهن الفذة فى فيديو يؤصلن فيه لأسطورة النكد عند المرأة المصرية، وهذا الازدياد حقاً جعلني في غضب، ربما لأن هذا الكلام يخرج على ألسنة نساء، من المفترض أنهن يقدرن جداً الحالة التي تعيش فيها نساء مجتمعهن الشرقي، الذي يلقي بكاهل العلاقة على أكتاف المرأة؛ ليتسلق عليها أولادها وزوجها، فينصهر كيانها في كيانهم كلياً، بدون أن يكون لها أثر مستقل بذاتها، فتبدو صورتها في نجاح أولادها ونظافة بيتها وترقية زوجها ورائحة طعامها؛ لكن لا تبدو في نفسها أبداً؛ لتتحول بعد ذلك إلى ثور يدور في ساقية.
يستيقظ كل صباح في السادسة ليعد إفطار أسرة كاملة، ملابس المدرسة والعمل، ثم يبدأ بإيقاظ المجرمين الصغار ووضعهم داخل ملابسهم، وهي مهمة كريهة لو تعلمون، ثم يرتدي ملابسه بدوره ليذهب لعمله؛ ليعود جرياً لتحضير الغداء ولجلب الأولاد من المدرسة، ثم إطعام الأسرة والذهاب للنادي للحاق بتمارين السباحة والبالية، ثم العودة للمنزل من جديد لإعداد العشاء ومذاكرة الدراسات الاجتماعية وتنظيف المنزل من اللعب والجوارب الملقاة هنا وهناك، لكن كل هذا بالطبع لا يعني الفتيات اللاتي قدرتهن رؤيتهن للحياة الكائن المسمى بالزوجة المصرية لأن تواتيهن الشجاعة فيمارسن الإرهاب الفكري على بنات جنسهن، وترسيخ فكرة أن المرأة المصرية نكدية بطبعها وجاحدة جحود الزمان طبعاً، ولذلك فهي تهمل في نفسها عمداً ولا تذهب لصالونات التجميل لأنها ترغب في أن تظهر بمظهر إنسان الغاب طويل الناب، شيء مفروغ منه بالطبع!
ولكن حقاً، بعيداً عن أسطوانة المسؤوليات التي أظن أن المجتمع لم يعد يعبأ بها؛ لأننا أرهقنا رأسه به، رغم أنه لا يوجد تغيير ملحوظ في رغبة الرجال في حمل بعض الأعباء المنزلية عن كاهل المرأة، إلا أن الشائعات المغرضة حول أن الرجال المصريين بالضرورة "فرفوشة" وتُحب الحياة هو هراء أيضاً يا جماعة صدقوني؛ لأن النكد قد التصق بالنساء سمعةً وليس فعلاً، وليس لأن أغلب الرجال يتصرفون بطفولية شديدة تجعلهم من ملوك الدراما فحسب، بل لأنه لو عددنا الخناقات الزوجية التي قامت على أسباب واهية جعلت من المرأة في مرتبة أقل حتى من الإنسان الحر، لما حصرناها!
فمؤخراً قد انتشر منشور عن "بعض" المشاكل التي واجهتها النساء من أزواجهن، ولنركز على بعض ونضع تحتها مائة خط أحمر؛ لنجد إحداهن تشتكي أن زوجها مارس عليها النكد، أو العنف المعنوي بالأحرى لأنه أحضر غداءً لا يكفي الأسرة، فقالت له لن يكفينا، فقال لها تناولي ما يفيض مني أنا والأولاد، وأخرى تشتكي أنه قد كسر عليها العصا لأن المياة مقطوعة ولم تعد طعام الغداء، أما هذه فقد حلف عليها يمين طلاق لأنها تتصدق من أموالها الخاصة، وهذه قد نبهها إلى أنه ليس للنساء في عائلته ذمة مالية مستقلة، وبالتالي من الخبل أن تُنشِئ حساباً في البنك باسمها، وأخرى كان على وشك إلقاء الزيت المغلي في وجهها؛ لأنها أعدت ملوخية بدلاً من البطاطس!
أسباب أقل ما يقال عنها إنها تافهة، لكنها استدعت ضرب أو حتى التهديد به أو تقليل من الكرامة، فقط لأن النساء قررن أن يمارسن أنشطة عادية جداً كبشر لهن كيان مستقل، أو لأنهن قررن أن يأخذن قسطاً من الراحة من مسؤوليات غير منوطة بهن بحد ذاتهن، فإعداد الطعام ليس نشاطاً يتم حكره على النساء مثلاً، وترتيب المنزل كذلك، وإلا من الأفضل أن يوفر الزوج ماله ويوظف خادمة، ستعمل في المنزل ليل نهار بدون حقوق أو ذمة مالية مستقلة بحفنة من الجنيهات، رغم أن هذا أيضاً انتهاك لحقوق الخادم غير مُبَرَر البتة!
فضلاً عن كل هذا، يربط المُثيرون النكد بالدورة الشهرية للنساء وهرموناتهن، وهو ما يترتب عليه عدم تعيينهن في مناصب قيادية لأنه لربما إذا تعينت المرأة قاضية قررت الحكم على متهم بالمؤبد؛ لأنها "مش في الموود"، مع أنه علمياً للرجال دورة شهرية أيضاً تتغير فيها الهرمونات وتجعلهم غريبي الأطوار جداً، لكن يظل النكد لصيقاً بالمرأة، خاصةً إذا كانت مصرية، نظل غير منطقيات وغير مفهومات بالمرة وذوات طباع حادة ولا أحد يقدر على التعامل معنا، وتظل أسطورة النساء النكديات جداً "لبانة" يتشدق بها الجميع في رغبة منهم للتعبير عن معاناة الـ"يا حرام" رجل!
النكد ليس لصيقاً بجندر، ولا يتوقف ممارسة العنف المعنوي على كونك رجلاً أو امرأة، بل على أنك إنسان غير سوي عامةً، ولذا فلأجل خاطر الله، يكفي!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.