يا ريم.. اليوم نسير على دربكِ!

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/14 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/14 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش

كنت مع أصدقائي في الإسكندرية، يقول لي صديقي: هل سمعت عن ريم البنّا من قبل؟ أنظر إليه مجيباً: لا.
يعطيني واحدة من سماعات الأذن الخاصة به لأستمع لها وهي تغني: الغائب. تشدني الكلمات من الوهلة الأولى، ونبدأ في الاستماع إلى كل أغنياتها.

فيما بعد بدأت في معرفة المزيد عن ريم البنّا وقصتها وصراعها مع السرطان، وكيف أنّها رغم كل شيء تمثل صوت المقاومة الفلسطيني، تصرخ في وجه الاستعمار الغاشم، تقول للناس: في المقاومة حياة.

ولأن أقدار الحالمين أن يواجهوا الصعوبات دائماً، فلم يكتفِ السرطان بما فعله بريم، وعاد في عام 2016 ليصيبها بمشكلة مَرضية، تعلن بعدها ريم التوقف عن الغناء تماماً.
كثيراً ما أرى الناس يتوقفون عن سعيهم عندما تفشل واحدة من محاولاتهم، يخلطون قليلاً بين الوسائل والغايات، فيصبحون أكثر تمسكاً بالوسيلة، فإن أصابها شيئاً يظنون أنّها نهاية الرحلة.

لكن هذا ليس صحيحاً، فكل شيءٍ في النهاية هو وسيلة نستخدمها من أجل خدمة قضية نؤمن بها، من أجل غايةٍ أسمى نقصدها. لذلك علّمتنا ريم درساً هاماً عندما أعلنت أنّها لن تتوقف، رغم خسارتها تقريباً مصدر رزقها وحياتها ورسالتها وكل شيء، لكنّها عرفت أن الغاية أهم، وأنّه يمكن لنا العمل على تعديل الوسائل مهما بلغ ذلك من إرهاق لنا، حتى نصل في نهاية الأمر إلى الغاية التي ننشدها، وفي هذه الحالة هي الحرية.

في عام 2016، كتبت إلى ريم تدوينتي بعنوان "أن تكون ريم بنّا"، وكانت لحظة سعيدة بالنسبة لي عندما أجابتني عليها وكيف أنّها أسعدتها كثيراً؛ بل ومنحتها الأمل، وقامت بمشاركتها مع أصدقائها.

عندما سُئلت ريم عن السرطان: هل تعانين السرطان؟ فأجابت: لا، السرطان يعاني مني.

في 4 كلمات قدمت لنا درساً آخر، وهو أن الهزيمة في نهاية الأمر هي أمر داخلي، فلا يهم ما هو العالم من حولنا؛ بل الأهم ما هو العالم من داخلنا، فإن نجحنا في تحقيق هذا النصر الداخلي، أمكننا بكل بساطةٍ النجاح في أي شيءٍ آخر بالحياة.

اليوم ترحلين يا ريم، تاركةً وراءكِ إرثاً من الأفكار والمشاعر والأحلام، أعرف أن الحزن لا يليق بكِ يا عزيزتي؛ بل البهجة والسعادة والأمل. أتذكر كلماتكِ في "تيدكس" وأنتِ تقولين إنّنا سنظل نضحك دائماً ونعيش حياتنا؛ لأنّ هذا هو سلاحنا الأهم. لن نفقد الأمل فيحقق الاستعمار نصره علينا، وسيظل صوت الحرية يتردد دائماً، وسنظل نسعى في الطريق طوال الوقت.

ماذا يبقى بعد الرحيل سوى الأثر؟ أعتقد أنّ الإجابة هي: حقاً، لا شيء يبقى غير الأثر الذي نصنعه في حياتنا وحياة الآخرين. وأقول لكِ: الأمس بكينا رحيلكِ عنّا، واليوم نسير على دربكِ، نزرع الأمل في قلوب الجميع من حولنا، ونسعى إلى الحرية ما دمنا أحياء، فنخلّفه بعد ذلك في القادمين من بعدنا، وتستمر الحياة ويتمدد الأثر، فأثرنا مثل أثر الفراشة، لا يُرى ولكنه أيضاً لا يزول.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
معاذ يوسف
كاتب مصري
تحميل المزيد