هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن تجربتي، ورغم أنني لا أحبّذ ذلك، فإنني سأكتب، فلربما تكون هذه التجربة البسيطة، التي ما زالت مستمرة حتى اللحظة، ملهمةً حتى لو لامرأة واحدة ستقرأها.
اسمي هبة الجيطان، أنهيت عقدي الثالث في هذا العام، محامية وباحثة بمجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعمل شيفاً تلفزيونياً في فلسطين.
بعد إنهائي دراسة القانون تزوجت، ومع الزواج أكملت متطلبات الإجازة في المحاماة، وعملت بضعة أشهر في كتابة الاستشارات القانونية. مع حضور دور الأم في حياتي مع أطفالي، كان من الصعب الاستمرار في المجال ذاته.
لكن، لم أتوقف هنا، فقد تميّزت بإعداد الأطباق الشهية، وكانت تُوجَّه إليَّ الأسئلة دائماً عن طرق التحضير والمكونات المميزة لأطباقي من محيطي والناس الذين يتذوقون الأطباق التي أُعِدُّها، وهنا وجدت متعتي وقررتُ نقل تجاربي المطبخية وخبرتي التي كُنت قد اكتسبتها من والدتي لعالَم أوسع، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وكان كل ما أسعى إليه آنذاك، من خلال إنشاء صفحة على موقع الفيسبوك، هو نشر وصفات شهية ولذيذة تُطبقها السيدات ويستمتعن بها مع أُسرهنَّ.
بعد انتشار الصفحة ونجاحها، انتقلت لموقع إلكتروني بمساعدة صديق؛ لتدوين الوصفات، والموقع مستمر حتى الآن، دوّنت فيه أكثر من 350 وصفة، تعتمدها آلاف السيدات، بحمد الله.
من أهم المراحل في هذه التجربة، العمل مع شركة كهربائيات محلية، آمنَت بموهبتي في عالم الطبخ، ودعّمتني من أجل التقدم في هذا المجال، وذلك من خلال إنتاج برنامج طبخ يُعرض في رمضان على شاشة التلفزيون واليوتيوب، والذي أقوم هذا العام بالتحضير لموسمه الرابع باستخدام الأجهزة الإلكترونية التي تسوّق لها الشركة.
كان لهذه الخطوة أثر مهم جداً في مسيرتي التي بدأتها منذ 7 سنوات، والتي أعتبر أنني ما زلت في بدايتها فقط، أهمها متابعة عشرات الآلاف لحساباتي وبرنامجي على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشة التلفزيون، بالإضافة إلى نجاح الوصفات مع مُتابعيّ، وثقتهم الكبيرة التي بنيتها معهم.
عملت بجهد دائم للبحث عما هو جديد في عالم الطبخ، تجارب عديدة عاشها مطبخي الصغير وتذوَّقتْها أُسرتي وأصدقائي وأقربائي، حاولت دائماً أن أُبقي شخصيتي حاضرةً في الأطباق التي أعدُّها؛ لأُحدث بصمةً مميزةً لكل مَن سيجربها لاحقاً، فكانت الوصفة الجديدة هي مزيجاً من التجارب والخبرة والذوق الخاص.
من جهة أخرى، هاجسُ البُعد عن الدراسة والعمل في شهادة المحاماة لم يتركني طوال ذلك الوقت، والخوف من ضياع ما تعلمته جعلني دائماً أداوم على القراءة، وعندما كبِر أطفالي وانتقلوا للمرحلة المدرسية وجدت الفرصة لإكمال دراستي في مجال ذي صلة بالحقوق والقانون، وأستمتع فيه بشكل كبير؛ وهو حقوق الإنسان والديمقراطية.
كانت العودة للدراسة وإكمال الشهادة العليا بعد سنواتٍ، شيئاً مذهلاً، كنت مستمتعةً لأبعد مدى في القراءة والدراسة وتعلُّم المزيد، بكل حواسي كنت أستمع للمُحاضرين وأبحث بقدر ما أستطيع عن معرفةٍ ذات صلة بدراستي، الدراسة بعد مرور سنوات لها متعة لا تضاهيها متعة، وهي الإحساس والنضج الكبير الذي نصبح فيه مع تقدُّمنا في العمر، ما يجعلنا أكثر جدِّية في البحث والدراسة والتعلم.
أقوم الآن بكتابة المقالات الأكاديمية على صفحات الإنترنت في كل ما يخص المرأة والحريات والديمقراطية، وسعيدة بالانضمام إلى أسرة "عربي بوست" لكتابة المزيد. وأنا أيضاً بصدد خطوة مهمة في مجال الطبخ؛ حيث إنني أقوم بالتحضير لبرنامج يوتيوبي جديد يلف فلسطين للبحث عن ألذ الأطباق الفلسطينية التقليدية، وأجهِّز لحملة إعلانية ضخمة في فلسطين لبرنامجي بالتعاون مع شركة الكهربائيات.
لست بصدد إسداء النصائح، ولكن علَّمتني الحياة أن أؤمن بنفسي أولاً، أفعل ما أخاف من فعله، أصدُق مع نفسي ومع الآخرين، أعبِّر عما أريد التعبير عنه دون الاكتراث للمنتقدين، أن أكون أنا، فتجارب غيري قد تكون ملهمة، لكن لا تصلح أن تكون تجربتي أنا، لكل منا حياته، أولوياته، هواياته، مُتَعه، فلا تُسقط تجارب الآخرين وتقِسها على نفسك فتُحبط.
كُن صبور جداً، واصعد السُّلم على مهل، بخُطى واثقة مدروسة، لا تؤذي فيها نفسَك ومَن حولك باللوم والتذمر، إياك والمقارنة فستُتعب روحك وفكرك!
الفشل والعثرات حتى تكون جزءاً من نجاحنا، يجب تجاوزها وعدم الوقوف عندها.
باب المعرفة في أي مجال أصبح أكثر سهولة، تستطيع أن تطوّر نفسك في أي مجال بشتى الوسائل، أسهلها شبكة الإنترنت.
احلم، احلم كثيراً، واجعل أحلامك كبيرة، ولا تفكر في إمكانية تحقيقها، يكفيك سعادة اللحظة التي تحلُم فيها، فكما يقول محمود درويش: على قدر حلمك تتسع الأرض.. الأحلام جميلة وإيمانك بنفسك سيكون أول خطوة في سبيل تحقيقها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.