كالعادة وبعد كل مؤتمر لشركة أبل يخرج علينا الفريقين (محبي شركة أبل وكارهيها) من هو مبهور بما طرحته شركة أبل ومن يراه شيئا عاديا بل وتقليدا لغيرها من الشركات الأخرى.
وشركة أبل في سوق الالكترونيات تذكرني بالقوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية ، حيث أنها تنافس على عدة جبهات ومع عدة شركات مختلفة سواء في مساحات ال hardware او ال software ، مما يجعل المقارنة بينها وبين أي شركة أخرى غير متوازنة (قد استثني مايكروسوفت بعد دخولها الى سوق ال hardware سواء في الهواتف أو الأجهزة اللوحية).
ودعونا نأخذ المسألة بقليل من التفصيل (سأحاول بقدر المستطاع ابعاد ميولي الشخصية وتفضيلاتي من هذا التحليل) :-
ونبدأ بالتفريق بين نوعين من الابتكار: الأول يسمي disruptive Innovation (الابتكار الجذري ) وهو ابتكار يغير خارطة السوق التي يدخل عليها ، والنوع الآخر يسمى sustaining Innovation (الابتكار التحسيني) وهو الابتكار الذي يسعى لتطوير منتج أو خدمة قائمة لكي تكون أفضل بشكل أو بآخر.
من عادة شركة أبل أنها تسعى لأن يكون لديها إبتكارات من النوع الأول ، بل أزعم أن هذا ما تتميز به الشركة على مدى عمرها الذي قارب الأربعين سنة ، وليس بالضرورة أن كل ابتكاراتها من النوع الأول تكون ناجحة ، بل قد تكون فشلت تجاريا بشكل كبير (لكنها غيرت السوق) منها على سبيل المثال جهاز newton الذي كان أول اختراق لما يعرف بأجهزة PDA ورغم فشله لكنه فتح الطريق لجهاز ال palm الذي شكل نجاحا متميزا ، وكذلك جهاز segway والذي كان موجها لما يعرف بالتحرك الشخصي Personal transportation وهو كجهاز فشل بشكل كبير تجاريا لكنه فتح الطريق لجهاز مثل mini segway الذي يحقق حاليا انتشارا جيدا.
وعلى هذا المنوال كانت أجهزة (ومنتجات) أخرى حققت نجاحا متميزا مثل الكمبيوتر الشخصي (ماكنتوش ) في الثمانينات ، والآيبود ثم الآيتونز وبعده الآيفون و الآبستور ومن ثم الآيباد، فقد كان كمبيوتر الماكنتوش ابتكار جذري في عالم الكمبيوتر الشخصي (ورغم تمكن آي بي ام من السيطرة على هذا السوق لاحقا ، لكن كانت أبل قادرة على البقاء والمحافظة على مجموعة جيدة من الزبائن المخلصين ، الى أن عادت لتحقق انتشارا في أجهزة الكمبيوترات المحمولة خلال ال ١٠ سنوات الماضية ).
وكان الآيبود ابتكارا مميزا في أجهزة تشغيل الصوتيات ، وعندما دخل الآيتونز حيز التطبيق كان بمثابة نقلة في عالم الموسيقى
وكذلك الحال مع الآيفون ومن ثم آبستور والآيباد، ومن يذكر كل هذه الأجهزة عند انطلاقها واجهت انتقادا شديدا عند انطلاقها وتم توقع الفشل لها، وهذا ما يحصل عند دخول ابتكار جذري للسوق لأنه يفتح بابا جديدا.
الآن منذ ان اطلقت أبل جهاز الآيباد والكل يتسأل (هل ستطلق ابتكارا جذريا جديدا ، بالذات بعد رحيل ستيف جوبز بعد اطلاق الآيباد بحوالي سنة)
في رأيي كل ما تم خلال السنوات الماضية هو ابتكارات تحسينية (مصحوبة بتصاميم مميزة أحيانا و مراعاة تفاصيل دقيقة مع قدرة تسويقية متميزة لهذه الشركة ) باستثناء الأمور التالية التي اعتبرها ابتكارات جذرية:-
1- apple pay وهو رغم وجود بعض حلول الدفع من خلال الهواتف قبله مثل NFS الى أنه استطاع ان يكون حلا توفيقيا مميزا يدخل البنوك وشركات البطاقات الائتمانية في اللعبة (مثل ما قام به الآيتونز مع شركات انتاج الموسيقى) وهذا سيجعل الشركات التقنية تدخل سوق البنوك بشكل أو بآخر مما يعني تغيير هذا السوق بشكل جذري.
2- apple watch وهو فاتحة باب لدخول الشركات التقنية عالم الاكسسوارات wearables بشكل احترافي ، نعم كان هناك الكثير من الأجهزة من سامسونج أو سوني قبلها لكنها كانت أجهزة تقنية مكملة ولم تكن اكسسوارات قائمة بذاتها وتنافس أبرز الماركات العالمية (في رأيي أبل تستهدف بالساعة سوق شركات مثل سواتش وأوميجا).
3- TVos وهو متجر التطبيقات على جهاز apple tv الجديد، لأن هذا المتجر سيفتح عالم التلفزيونات للمطورين كما فتح متجر التطبيقات على الآيفون مما يعني أيضاً تغيير جذري في مفهوم التلفاز و أجهزة الألعاب counsul مثل البلاي ستاشن و الإكس بوكس و شركات مشاهدة الأفلام والمسلسلات مثل نتفليكس وشوتايم وغيرها.
4- Ipad Pro رغم المحاولات العديدة لشركات كثيرة (ابرزها كانت مايكروسوفت ) لادخال الكمبيوتر اللوحي كبديل عن الكمبريترات المحمولة منذ أكثر من ١٠ سنوات ، (جهاز الآيباد والاجهزة التي تبعته كانت بديلا مميزا عن اجهزة ال netbook ولكنها لم تصل لان تكون بديلا عن أجهزة الكمبويتر المحمول) ، لذلك أرى أن هذا الجهاز بقدراته وباضافة ال apple pencil له سيكون اختراقا لسوق الكمبيوترات المحمولة بشكل كبير ، وأحد أهم المؤشرات عندي هو أن أبرز منافسي أبل في هذا السوق مايكروسوفت (بجهازها سيرفس برو) كانت جزئا من المؤتمر الترويجي لجهاز ال ipad pro مما يعني أن أبل استطاعات أن تجعل أحد أبرز منافسيها مطورا ومسوقا لها
لست أزعم أن أبل هي التي ستكتسح هذه الأسواق، لكنني أزعم أن هذه الأسواق ستتغير بشكل جذري بعد هذا الاختراق من أبل
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.