هل انتهى تفوُّق الفكرة الغربية في العالم العربي؟

الغرب تفوق علمياً في القرن الماضي، أما الآن فكثير من العلماء في دول أوروبا وأميركا هم من العرب ومن الهنود والصينيين، العلم لم يعد حكراً لأحد. نعم، كانت الأمة مريضة في القرن الماضي، لكن لكل مرض تشخيص ودواء

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/28 الساعة 02:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/28 الساعة 02:31 بتوقيت غرينتش

كان السبب الرئيس في سقوط الإمبراطورية العثمانية هو تأثُّر الطبقة الحاكمة والمتعلمة بالفكر ومظاهر الحضارة الغربية منذ القرن الثامن عشر إلى مطلع القرن العشرين. فمعظم طلاب العلم في ذلك الزمن كانوا يتتلمذون في المعاهد الفرنسية والبريطانية والألمانية، ولم يَسلم الأمراء من ذلك التأثير الغربي، حيث بدت حركة عمرانية بطابع أوروبي تجتاح المدن الكبرى، وكذلك تغيَّر الزي من القفطان أو العباءة إلى البدلة الأوروبية مع استبدال القبعة بالطربوش.

بالتأكيد، لقد كان الغرب في تلك الحقبة قد تقدَّم على المستويَين الصناعي والعلمي في كثير من المجالات المدنية والعسكرية، لكن نلاحظ أن بداية هذا الانجرار وراء الغرب بدأ بالمظاهر وبالقشور لنحو قرن من الزمن! بينما كان التأثر بالثورة العلمية يسير ببطء شديد. وللأسف، تم استيراد كثير من الأفكار التجريبية على المستوى الاجتماعي في أوروبا على أنها أفكار أساسية للنهضة!

ذلك التأثر لم يكن مقتصراً على العالم الإسلامي، فالشرق الأقصى وكذلك الأميركتان وحضاراتها تأثرت بذلك التقدم التقني الغربي، وحاولت تبني الأفكار الغربية على المستويَين العلمي والاجتماعي، فبدأت كثير من الإمبراطوريات القديمة تقبل فكرة وجود برلمانات ديمقراطية، ووجود بعض الضباط الأجانب في الجيوش لغايات التدريب؛ بل وحتى قيادة المعارك.

مرة أخرى، كان كل ذلك طبيعياً، فكل أمة تشعر بالضعف بعد الهزائم العسكرية، فتعظّم قدر المنتصر وتحاول تقليده لعلها تصبح قوية من جديد، ولكن هنا بالذات تكمن المشكلة، فلا يمكنك أن تصبح مماثلاً لخصمك، خاصة مع وجود اختلاف حضاري وديني وتاريخي كبير، فبعض الأمم كانت ذكية لتدرك ذلك مثل الإمبراطورية اليابانية، فمع كل محاولات التغريب للمجتمع الياباني، بقي محافظاً على طباعه وعاداته الأساسية التي تميزه عن غيره في العالم.

وفي الوقت نفسه، لم تنغلق اليابان على نفسها وترفض كل ما هو غربي، على العكس فتحت أسواقها ومدارسها، لكن ضمن ضوابط وشروط، فأخذت ما يلزمها من علوم ومعارف؛ بل إنها أقرت بعض الإصلاحات السياسية وحتى العسكرية، لكنها لم تتنكر لماضيها وما هو جيد وجميل فيه، فحافظت على اللغة وعلى نمط البناء، وما زال الزي الياباني القديم مستعملاً ليومنا هذا في كثير من المناسبات هناك، والأهم من ذلك أن الدولة كانت تحرص على زرع الفخر بذلك الماضي والإرث الحضاري للأمة اليابانية.

وبهذا التوازن بين أخذ الجديد النافع وترك ما فيه ضرر على هوية الأمة الثقافية، استطاعت اليابان تحقيق تفوُّق واضح في الشرق الأقصى عقوداً طويلة.

نعود لعالمنا العربي الإسلامي، فدولنا ودساتيرها وقوانينها تم استخلاصها من القوانين الغربية للمحتل الأجنبي البريطاني والفرنسي على وجه التحديد، ولكن -للأسف- لم تكن إلا كمن يرسم صورة عن أصل، فتبقى الصورة صورة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم يؤخذ بالحسبان الاختلاف الكبير بين المجتمعات والتقاليد العربية وتلك الغربية، وبقي الحال على ما هو قرناً من الزمن.

إلا أنه حدث ما لم يكن بالحسبان؛ فمع بداية القرن الـ21، وبعد الثورات التكنولوجية، التي كان من المفترض أن تعمّق الشعور بالنقص وتزيد تبعية شعوب المنطقة لما هو غربي، نرى الآن نفوراً، أو على الأقل حذراً وتساؤلاً وشكوكاً حول الغرب ونمط حياته.

فالبداية كانت في الحروب التي ترأَّستها أميركا في الشرق الأوسط وأفغانستان وحتى الصومال، فكان من المفترض أن تكون الديمقراطية مثالاً على الحكم الرشيد، خاصة بعد ما رأته الشعوب من تغول النظام الشيوعي في الشرق! لتفاجأ بنزعة إمبريالية جديدة تحت مظلة حماية الحريات ونشر النظام الديمقراطي ولو بقوة السلاح.

كما كان هنالك دور هام لذلك الكم الهائل من الأفلام والمسلسلات الغربية التي أظهرت لشعوب المنطقة وجهاً آخر لذلك العالم الغربي المثالي، حيث رأت انتشار العنف والتفكك والانحلال الأسري، فبالكاد يخلو أي فيلم من إطلاق النار والتفجيرات الهوليوودية، فمع أن معظم هذه الأفلام خيالية فإن تأثيرها كان قوياً على مخيلة الشعوب.

ومن ثم، جاءت الأزمة المالية عام 2008، وبيَّنت كيف أن حفنة من أصحاب البنوك المتنفذين نجوا من العقاب مقابل ضياع الآلاف من الوظائف وانهيار أسواق المال العالمية! لنتبين أن الديمقراطية الغربية المثالية لم تكن إلا حلماً، وأن من يسير ويؤثر على الحكم هم طبقة من أصحاب المال، نظام أوليغاركي بكل معنى الكلمة.

أما ثالثة الأثافي، فكانت الربيع العربي، ورد فعل الحكومات التي تدّعي أنها راعية الديمقراطية والحريات في العالم تجاه الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رأيناها تتجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان؛ بل حتى المجازر الجماعية وحروب الإبادة كما حدث في ميانمار، وليس اليمن وسوريا أفضل حالاً!

واكتفت هذه الدول بالتنديد والإعراب عن الأسف من باب حفظ ماء الوجه. ورأينا رد فعل السياسيين وبعض طبقات المجتمع الغربي تجاه اللاجئين الهاربين، ورأينا الصعود المتنامي لظاهرة الإسلاموفوبيا، حتى إن بعض الأحزاب المسيحية اليمينية المتطرفة في دول كالنمسا والمجر واليونان، دخلت في الحكومة، وكادت تفعل ذلك في فرنسا، وكان ذلك الرُّهاب من اللاجئين من أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لا ننكر التأثير الغربي، سواء أكان سلبياً أم إيجابياً، على من سبقنا وعلينا نحن، لكن الفرق الآن أن الكثير بدأ يرى الأمور على حقائقها، دون ذلك البريق الكاذب والنظرة الساذجة الحالمة، الواثقة بكل ما هو مستورد من هنا أو من هناك.

والأهم من ذلك هو أن الكثيرين أدركوا أنه لا يمكننا أن نتقدم ونتفوق من خلال التقليد والاتباع الحرفي لكل ما هو غربي، فنكون كما كان الغراب الذي نزع ريشه وأخذ يلصق على جسده ريشة من كل طائر في الغابة، حتى انتهى قبيحاً لا يستطيع الطيران!

الغرب تفوق علمياً في القرن الماضي، أما الآن فكثير من العلماء في دول أوروبا وأميركا هم من العرب ومن الهنود والصينيين، العلم لم يعد حكراً لأحد. نعم، كانت الأمة مريضة في القرن الماضي، لكن لكل مرض تشخيص ودواء. فإذا أردنا النجاح حقاً فلنتعلم ما هو مفيد وناجح بالتجربة، لنأخذ العلوم المادية من الغرب، ولنستفد من النزعة المحافظة عند الآسيويين، ولننهل من المصدر الإلهي في الحضارة الإسلامية، وبهذا نتطور لكن ضمن ما يناسبنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد