الجزائر.. “عيد النصر 62.. هل تحقق نصر؟!”

جيل شاب حمل آمال الجزائر والجزائريين في الإشراق والازدهار، وقد حملها قبل ذلك في التخلُّص من براثن الاستعمار وسطوته، ولم يخِب.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/27 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/27 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش

"شهر مارس/آذار شهر الشهداء، نُحيي فيه ذكرى أبطالنا الخالدين أمثال: مصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، وعميروش، وسي الحواس، ولطفي، والطاهر فراج، الذين افتدوا حرية الجزائر بحياتهم الغالية، واستشهدوا في ميدان الشرف في مثل هذا الشهر…".

هكذا كتبت "المجاهد"، الجريدة التي مثلت لسان حال الثورة والثوار الجزائريين يوماً واحداً بعد تاريخ التاسع عشر من مارس/آذار سنة 62، التاريخ الذي فتح باب الحرية أمام الجزائر على مصراعَيه، فكان "عيد النصر".

النصر الأكبر سيكون "بكسب الرهان القادم بعد هذا التاريخ"، ما بين التاسع عشر مارس (عيد النصر) والخامس يوليو/تموز (عيد الاستقلال) قرابة الخمسة أشهر، مرّت على الجزائريين "كلمح بالبصر" كيف لا وهم آمنون من ويلات الحرب التي نخرت بلادهم كما أجسادهم طيلة أزيد من قرن وربع القرن من الزمان، وهم مَن هم؟! هم مَن كسروا شوكة واحدة من أعتى القوى الاستعمارية وأكثرها وحشيةً في التاريخ الحديث، إن لم تكن أعتاها على الإطلاق.

وحلَّ الخامس من يوليو 62 وحمل معه مزيجاً من دموع الحزن والفرح؛ الحزن على فراق الأبناء والآباء والأمهات، والفرح لمستقبل الحرية القادم.

وانطلق الجزائريون في معركتهم "معركة البناء والتشييد"، التي لا تقل مقدار "ذرة من خردل" في الأهمية عن معركة التحرير، فدون "معركة البناء والتشييد" لن يكون "لمعركة الحرية والاستقلال" معنى.

جيل شاب حمل آمال الجزائر والجزائريين في الإشراق والازدهار، وقد حملها قبل ذلك في التخلُّص من براثن الاستعمار وسطوته، ولم يخِب.

ورغم الاختلافات السياسية والتضارب في وجهات النظر بين مجموعة القادة الشباب الذين تسلَّموا تسيير الجزائر، فإن اتفاقهم على الأقل معظمهم على ضرورة العمل الجاد والفعّال لم يشكّ فيها أحد، فأولت الحكومات المتعاقبة، بدءاً من الحكومة المؤقتة، اهتماماً بالغاً بالعمل على إصلاح أُسس النهوض بأي أمة، وهي التعليم والاقتصاد والجامعات وترميم البنى التحتية، وغيرها من المجالات.

ففي مجال التعليم كان الرهان هو محاربة الجهل والأمية اللذين زرعهما الاستعمار الفرنسي في الشعب بشكل ممنهج، فجيء بالمعلمين والأساتذة من بلدان المشرق العربي ودول المعسكر الشرقي والعديد من الدول الأخرى، وعكفوا على نقل أسس التعليم عبر مختلف الأطوار، وفي كل التخصصات من خلال برامج سطّرت وفق متطلبات المرحلة لتخريج يد عاملة مؤهلة، وتكوين جيل مؤطر يحمل أعلى الدرجات العلمية، يواصل مسيرة التنمية والتطوير فيما بعد، وحدث أن كانت البعثات العلمية -على عاتق الدولة- إلى مختلف الأصقاع؛ لتحصيل العلوم والمعارف والعودة بها إلى الوطن، واستغلالها بأفضل طريقة ممكنة، ونجح الرهان إلى حد بعيد بالنظر إلى المنطلق الذي انطلق منه، وهل هناك أبلغ من بلاد خرجت لتوّها من 132 سنة من التحطيم الممنهج لتفسير ذلك المنطلق؟ فكان أن أخرج قطاع التعليم الحديث العهد أساتذة وأطباء ومهندسين وقادة جيش وعلماء فلك ودبلوماسيين على قدر لا يُستهان به من الذكاء والكفاءة.

كيف لا وقد دأبنا في الجزائر على مقولة شهيرة تفيد الكثير من الحسرة: "أي وجه للمقارنة بين الدراسة قديماً والدراسة الآن.. شتان بين الثرى والثريا"، فأنجبت تلك المدارس "الطاهر وطار" و"آسيا جبار" و"مولود فرعون" و"مولود قاسم نايت بلقاسم" و"عبد الرحمن الحاج صالح" في الأدب واللغة، و"لوط بوناطيرو" و"نور الدين ميلكيشي" و"كمال يوسف تومي" و"إلياس زرهوني" و"كمال صنهاجي" وغيرهم في مجالات العلوم والطب والفضاء، وبرز في الاقتصاد "بن بيتور" و"عبد المجيد عطار"، ولمع "الصديق بن يحيى" و"عبد العزيز بوتفليقة" في سماء الدبلوماسية، والكثيرون لن يتسع المجال لذكرهم وذكر إنجازاتهم في مختلف الميادين.

وإضافة إلى التعليم شكَّل الاقتصاد الوطني تحدياً صعباً أمام شباب القادة حديثي العهد مع الحكم، وفي دولة بحجم قارة كالجزائر، فكان اختيار النهج الاشتراكي الذي اعتبر الأنسب للمرحلة التي تقتضي تكاتف الجهود والتوزيع المتكافئ للموارد، وشيّدت في فترة الستينيات والسبعينات من القرن الماضي جلّ المؤسسات والمصانع الكبرى التي ما زالت تمثل عمود الاقتصاد الوطني إلى اليوم، مثل "سوناطراك" و"مركب الحجار للحديد والصلب" ومركبات النسيج والدراجات، وغيرها من المنشآت الرياضية التي ما زالت هي الأخرى في الخدمة إلى اليوم، مثل ملعب "الخامس يوليو" الملعب الرئيسي للمنتخب الجزائري.

وأمّم الزعيم الراحل هواري بومدين البترول والغاز في قرارات سيادية يمكن القول إن رؤية مثلها حالياً من مستحيلات الأمور؛ لتكون بذلك الثروات الطاقوية مصدر التمويل الرئيسي لكل تلك المشاريع.

وفي قطاع الزراعة، قام الراحل "بومدين" بتوزيع آلاف الهكتارات على الفلاحين الذين وفّر لهم المساكن من خلال "مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين"، وأجهز على معظم البيوت القصديرية والأكواخ التي كانوا يقطنونها، فيما عرف بـ"الثورة الزراعية"، وأمدّ الفلاحين بكل الوسائل والإمكانات التي كانوا يحتاجون إليها.

وقد ازدهر القطاع الزراعي في عهد بومدين واسترجع حيويته التي كان عليها أيام الاستعمار الفرنسي، عندما كانت الجزائر تصدّر ثمانين بالمائة من الحبوب إلى كل أوروبا، للإشارة فإن الثورة الزراعية التي ينتقدها بعض أصحاب الأهواء والأحقاد دون موضوعية، ولو أن فيها ما يقال حقاً هي الترياق الذي سيخرج الجزائر من حالة السمّ الزعاف التي تتخبط فيها منذ مدة؛ لأنها الثروة الحقيقية للجزائر، وهذا الكلام لم يأتِ من فراغ بل هو مبنيّ على أسس ودراسات علمية مستفيضة، لكن مع حسن التخطيط والتنفيذ، وإسناد الأمر إلى أهله بطبيعة الحال.

وفي الدبلوماسية، تلألأ نجم الجزائر عالمياً نظير وقوفها إلى جانب معظم حركات التحرر في دول العالم الثالث، كما كانت أبرز الفاعلين في حركة عدم الانحياز، ومثّلت مفتاح الصراعات الإقليمية والعالمية، فتوسّطت لحل الأزمة بين العراق وإيران ونجحت، وتوسطت لحل الخلاف بين مصر وليبيا ونجحت، وأخذت على عاتقها مهمة تدويل القضية الفلسطينية ونجحت في إدخالها إلى أروقة الأمم المتحدة.

والخلاصة أن ذلك الجيل رغم كل النزاعات والانقسامات والاغتيالات التي كادت تعصف بحلم "الدولة الفتية"، وكل المثبطات التي تركتها فرنسا الاستدمارية وعملت على خلق مثلها بعد الاستقلال من خلال من تركتهم من "أبنائها"، الخلاصة أن أبناء ذلك الجيل نجحوا.. نعم نجحوا، رغم التحفظات… نجحوا إلى حد ما.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد