تصلني بعض الرسائل من نساء وفتيات ينبهنني بسبب تدويناتي عن الأمومة، وتجاربي ومواقفي مع أطفالي، مراعاة لمشاعر النساء اللواتي لا يستطعِن الإنجاب، ومراعاة لمن لم يرزقها الله بالزوج الصالح بعد.. صدقاً أحترم إنسانيتهن ومشاعرهن، لكن العالم لا يسير بهذا الشكل عزيزاتي، مفاهيم توارثناها مكبلة بالكثير من العقد النفسية والاعتبارات الضيقة جداً.
أولاً: لماذا على العاقر أن تشعر بأنها أقل من غيرها؟
إن الحمل والإنجاب وظيفة جسدية تخضع لمجموعة من العوامل التي لا تتحكم فيها المرأة في غالب الأحوال.. لِمَ نحاسبها ونعاقبها وننقص من قيمتها لشيء لم تختَره ولم تقرره بنفسها؟! بل حتى ذلك التضامن المبالغ فيه وإظهار مشاعر الشفقة وتذكيرها بالموضوع في كل مرة يسيء إليها.
مؤلم جداً كيف يظلم المجتمع المرأة في كل مناسبة؟ كيف يجردها من إنسانيتها وعقلها وروحها ليجعلها جسداً فقط؟
تتعالى أصوات الشيوخ لمناقشة شروط ستره تارة، وبوجوب جلوسها في البيت وتحضير أشهى الطعام وتنظيف البيت والتزين للزوج وجعل ذلك أسمى أهدافها وشرطاً من شروط انتسابها لجنس النساء تارة أخرى.. يظلمها أيضاً حين يأمرها بالصبر على قضاء الله وقدره حين لا يستطيع زوجها الإنجاب، وفي نفس اللحظة بالذات زوج آخر يطلّق زوجته أو يعدد لنفس السبب، والمجتمع يضمن حقه الكامل في كل ذلك بكل بساطة!
إن المرأة يا سيدي ليست آلة للإنجاب فقط، والهدف من تدوينتي بالأساس أن أطلب من كل امرأة أن تفتخر بنفسها: بإنجازاتها، بدراستها، بعملها، بأخلاقها، بالمشاريع الخيرية التي تشارك فيها، في إخلاصها وتفانيها في عملها مهما كان بسيطاً أو عظيماً.. أن تكون راضية عن نفسها، فالإنجاب وظيفة بيولوجية تقوم بها معظم الكائنات الحية، لكن المرأة كرمها الله تعالى بالعقل.
والهدف من تدوينتي أيضاً أن أسلط الضوء على قيمة إنسانية دُفنت بين التقاليد والأفكار الخاطئة التي يدفع ثمنها الأيتام والأطفال المتخلى عنهم.. إن كفالتهم ورعايتهم وتربيتهم شيء يجب على كل مَن تيسر له فعله ولا يقتصر بالضرورة على مَن حرم من نعمة الأطفال، لكني أعجب كل العجب من الأزواج الذين يحاولون سنوات عديدة إنجاب طفل عبر كل الوسائل المتوفرة، وإن باءت محاولاتهم بالفشل يندبون حظهم ويواصلون حياتهم يحرمون أنفسهم من نعمة الأمومة والأبوة، ويحرمون ذلك الطفل القابع في إحدى الإصلاحيات أو الملاجئ دفء أسرة تحتضن جسده الصغير، وتعليماً جيداً وتربية حسنة.
ملايين الأطفال حول العالم تخلت عنهم أمهاتهم، إما بسبب علاقات خارج إطار الزواج أو لضعف قدراتهن المادية أو طلاق أو مشاكل نفسية وجسدية.. عدد كبير من أولئك الأطفال سيحصلون على حياة متوازنة وطبيعية لو تخلينا عن أنانيتنا وعقدنا المرتبطة بالدم والاسم والنسب.. لو فكر بعضنا فيهم بإنسانية وطبق وصايا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
الأمومة والأبوة -عزيزتي المرأة.. عزيزي الرجل- ليست تلك العلاقة الجنسية التي تنتهي بعلامتين على جهاز اختبار الحمل، إنها أكبر من ذلك: إنها لحظات تعيشونها مع ذلك الطفل، تصنعونها كل يوم باختياركم؛ كلماته الأولى، خطواته الأولى، ارتفاع درجة حرارته عند منتصف الليل، تخفيضها بقطعة قماش وعناق ودعوات، حضنه لكما بعد أن أفزعه نباح الكلب، الابتسامة التي ترتسم على محياه حين يراكما، الأمان الذي تُشعرونه بوجودكما، أول يوم دراسي، وأول اختبار، وأول شهادة، أول أغنية وأول رقصة وأول زي تنكري، أول حفلة عيد ميلاد، وأولى لحظات الفرح اللامنتهي رغم كل الصعوبات والتحديات التي تواجهونها.
أن لا تستطيعي الإنجاب ليست نهاية العالم سيدتي الجميلة، هناك ألف طريقة وطريقة لتعيشي الأمومة، فاختاري أي حياة وبأي إحساس تريدين عيشها.. فقط كوني فخورة بنفسك وإنجازاتك دائماً؛ لأنك أكبر من رحم ينتفخ!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.