هل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب في طريقه نحو التفكُّك؟

إحياء وزارة الدولة لحقوق الإنسان في ظل الحكومة الجديدة بقيادة الوزير الذي كان بالأمس ظالماً، فكيف سينصر المظلوم الآن وخاصة في مجال حقوق الإنسان التي كثيراً ما دهس عليها بسياسته فيما مضى؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 04:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/25 الساعة 04:41 بتوقيت غرينتش

منذ أواخر القرن الماضي والمغرب يحاول مواكبةَ ركْب الدول الرائدة في مجال حقوق الإنسان؛ حيث قام بتأسيس مجموعة من المؤسسات دستورياً حتى تتوافق مع المعايير الدولية، ومن بين هذه المؤسسات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي كان فيما مضى عبارة عن مجلس استشاري لحقوق الإنسان، فأول ظهور لهذه المؤسسة كان بعد إعلان الملك الراحل في خطاب له داخل قصر الضيافة بالرباط يوم 8 مايو/أيار 1990م؛ حيث قال: "إن إنشاء المجلس الاستشاري هو بمثابة استكمال لدولة القانون"، لكن مع التطورات التي عرفها المغرب بعد ذلك، وخاصة بعد وفاة الملك الحسن الثاني، تم تعديل هذه المؤسسة على المستوى الهيكلي سنة 2001، لأجل فاعلية أكثر ومواكبة التحولات التي عرفها المغرب.

نشأة المجلس الوطني لحقوق الإنسان

بعد التحولات التي عرفتها بلدان شمال إفريقيا منذ سنة 2010 إلى حدود اللحظة بخصوص الحراك الاجتماعي، الذي كانت أهم مؤشرات ظهوره بالدول العربية، هو الاضطهاد والقمع والظلم والجوع، وكل ما يرتبط بالعيش الكريم؛ ليصل هذا المؤشر إلى المغرب، خاصة عند ظهور حركة 20 فبراير التي بدورها كانت تطالب بالعيش الكريم ومحاربة الفساد، وفي ظل هذه التحولات الوطنية إضافة إلى أخرى دولية سيقوم المغرب بإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يعد مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، إضافة إلى ضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفراداً وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.

ودون شوفينية لا يمكن إنكار ما قدمته هذه المؤسسة الوطنية في بعض القضايا التي تهم حقوق الإنسان، وذلك قد برز من خلال مجموعة من المعطيات، أهمها الكم الهائل من الشكايات التي تلقتها وقامت بمعالجتها، كما أنه تجاوز المجال الوطني؛ ليصبح عضواً دولياً في عدة أجهزة دولية، بل إنه دخل ضمن زمرة المجموعة "أ" على الصعيد الدولي، لكن رغم كل هذا، فإن هذه المؤسسة تظل قاصرة أمام التحولات والتطورات المجتمعية التي يعرفها المغرب، خصوصاً في السنتين الفارطتَين إلى حدود اللحظة، فبعد حضور مكثّف في بداية عمله وتقليص الهفوة بين الدولة والمواطن بخصوص حقوق الإنسان، يلاحظ أن تراجع وظيفته أصبح في تلاشٍ، وهذا المعطى جدّ سلبي في الظرفية الراهنة، خاصة بعد انطلاق مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية أو السياسية أو غير ذلك، دون مراعاة ظروف المواطن وحاجياته، الشيء الذي يمس بمجموعة من الحقوق المنصوص عليها في العهدين الدوليين أو المواثيق الدولية…وبالتالي في غياب موازنة هذه المؤسسة بين الدولة والمواطن يبقى الفضاء المغربي مفتوحاً أمام أي احتمالية.

بوادر فشل المجلس الوطني لحقوق الإنسان

إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان لا يزال يشتغل في ظل آخر تعديل هيكلي، أي منذ التعديل الذي طرأ على المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 2001، في حين أن المجلس الوطني أسس له من خلال دستور 2011، وتم الإبقاء على الهياكل المنصوص عليها في تعديل 2001، رغم المصادقة البطيئة على مشروع القانون 76.15 المتعلق بإعادة هيكلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤخراً، وبالتالي تبقى هياكله غير مواكبة للاختصاصات المسندة له من أجل فاعلية أكثر، وحتى يتماشى مع الوعي الحقوقي الذي ظهر في الآونة الأخيرة بالمغرب؛ حيث كثرت الحركات الاحتجاجية حول الحقوق المنتهكة، ومن أهم الأحداث التي برز فيها هذا الضعف لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان هي أحداث الريف الأخيرة التي غاب في بدايتها المجلس، وأحداث مدينة جرادة التي تعيش كل المآسي؛ حيث ينعدم فيها مفهوم العيش الكريم إلى حدود اللحظة، وما تعرفه من تخويف وترهيب من طرف السلطات دون حضوره، إضافة إلى قمع الحريات العامة المنصوص عليها دستورياً، خاصة لدى فئة الصحفيين أو غيرهم.

ورغم الاختصاصات الموكلة للمجلس بخصوص مثل هذه الحالات، والتدخل بكيفية استباقية وعاجلة كلما تعلّق الأمر بحالة من حالات التوتر التي قد تفضي إلى انتهاك حق من حقوق الإنسان بصفة فردية أو جماعية، في إطار المهامّ المسندة إليه، وبتنسيق مع السلطات العمومية المعنية.

كما أن إحياء وزارة الدولة لحقوق الإنسان في ظل الحكومة الجديدة بقيادة الوزير الذي كان بالأمس ظالماً، فكيف سينصر المظلوم الآن وخاصة في مجال حقوق الإنسان التي كثيراً ما دهس عليها بسياسته فيما مضى؟!

وبالتالي فبعد هذه التحوّلات شلت حركة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهذا ما يتعارض مع مجموعة من المبادئ الدولية كمبادئ باريس وغيرها، بل حتى مع المبادئ الإنسانية، وبالتالي يبقى التساؤل قائماً: هل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب في طريقه نحو التفكُّك؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد