بعد صلاة العِشاء مباشرة جهّزّتُ وأمي الطاولة وناديت أسماء حتى تأكل، لأنها تنسى أن تتناول الطّعام، أمي تقول بأنها تدرس كثيراً وأن كل الطعام الذي تأكله يتّجه إلى دماغها لهذا هي نحيفة وشاحبة هكذا.. أنا لا أنسى تناول الطّعام خصوصاً الحلوى، ربما لأنني لست ذكياً كأسماء، أو ربما! لأنني أذكى منها ولا أحتاج إلى كل ذلك الطعام لأفكر!
– أمي لماذا تعدين البطاطس وحدها دائماً هكذا؟ يجب أن تضيفي إليها شيئا.
– ولكنها تضيف إليها اللحم..
– شيئاً من الخضار يا آدم.
– ولكن البطاطس خضار..
تنظر إليّ كما تنظر إلى ابن جيراننا التّافه.. هكذا تسمّيه.. لأنه لا يعرف اسم الرجل الذي اخترع الهاتف. ابن جيراننا وسيم، وسيم اسمه ولكنه لا علاقة له به، ابن جيراننا وسيم يقف دائماً أمام البوابة وسيجارة في يد والهاتف النّقال في يده الأخرى. في إحدى المرّات طلب من أسماء رقم هاتفها، فسألته لماذا، فقال لها بأنه يحب الحديث فقط، سألته إن كان يعرف اسم الرجّل الذي اخترع الهاتف، فلم يعرف الإجابة وأخذ يضحك، أسماء نظرت إليه نظرةً شبيهة بالطريقة التي تنظر بها إلى الآن.. وقالت: تافه ونحن نصعد الدّرج.. عندما تنظر إلى هكذا أعرف بأنني قد قلت شيئاً غبياً.. ولكن البطاطس خضار!
– أمي..
– نعم يا آدم.
– أليست البطاطس خضاراً؟؟
– بلا.
نظرتُ إلى أسماء بفخر.
– أرأيتِ؟ قلتُ لكِ.
– آدم..
-همم؟
– اسكُتْ.
بعد الطعام قامت أسماء لتغسل الصحون في المطبخ، وتوجهت أمي إلى غرفة المعيشة لتجلس على مقعدها.. عندما أكبُرْ سأصنع لزوجتي كرسياً ككرسي أمي، أبي صنعه لها، تقول بأنها لا تشعر بالراحة إلا عليه.. على الرغم من أنني لا أحس بالراحة أبداً عندما أجلس فوقه، ربما عندما أصبح كبيراً في السنّ كأمي سأشعر بالراحة مثلها.
– أسماء..
– نعم.
– البطاطس خضار….
– أسماء….
– أليس كذلك؟؟
– آدم..
– نعم.
– ماذا تريد؟
– أليست البطاطس خضاراً؟
– لماذا تسألني؟ ألا تعرف بأنها خضار؟
– بلا..
– إذاً لماذا تسألني؟
كنتُ أود لو أمسك المنشفة في يدها وألفها حول رقبتها كما يفعلون في التلفاز حتى تعترف بأن البطاطس خضار!
– ولماذا لا تريدين أن تقولي بأنها خضار؟
– أنا لم أقل بأنها ليست خضاراً.
– ولكنك قلتي لأمي بأنها يجب أن تضيف إلى البطاطس خضار.
– حسناً؟ وماذا بعد؟
– لماذا تضيف الخضار إن كانت البطاطس خضاراً، هذا يعني أنك تعتقدين أنها ليست خضاراً.
ابتسَمَت!
– هذا يعني أنك تفترض أنني أعتقد أنها ليست خضاراً.
لم أعد أفهم شيئاً..
-أسماء؟
– نعم؟
– أنتِ كريهة حقاً..
– أعرف..
تعْرِفُ كلّ شيء!
بعد بضع دقائق خرجتُ من المطبخ لأجدهُ نائماً على الأريكة أمام التلفاز وأمي إلى جواره تجلس محدّقة في صورة أبي..
– أمي، سآخذ آدم إلى غرفته. وأقرأ قليلاً قبل النوم.. هل تريدين شيئاً؟
– لا.. سأذهب إلى غرفتي أنا أيضاً بعد قليل.. تصبحين على خير.
– تصبحين على خير.
حملته وتوجّهت به إلى غرفته. وضعته على سريره بعد أن أزحت كومة من الملابس والألعاب وأشياء أخرى…
– أسماااء..
– همم..
– البطاطس خضار..
– نعم.. البطاطس خضار.
هذه التدوينة منشورة على موقع مدونات الجزيرة
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.