كما هو متوقع وبعد تصنيف الاتحاد الأوروبي لتونس على القائمة السوداء للتهرب الضريبي وتمويل الإرهاب وغسل الأموال، ثم سحب اسمها من القائمة في يناير/كانون الثاني الماضي، عن طريق مجلس الأعمال الاقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي، وبعد صدور تقرير مجموعة العمل المالي في فبراير/شباط 2018، أعلنت كما هو متوقع وكالة التصنيف الائتماني "موديز" لخدمة المستثمرين في بلاغها الأخير حول تونس في 14 مارس/آذار 2018 عن تخفيض التصنيف الائتماني لتونس من B1 مع أفق مستقبلي سلبي إلى B2 مع أفق مستقبلي مستقر.
وكالة التصنيف الائتماني "موديز لخدمة المستثمرين" هي إحدى أهم ثلاث وكالات تصنيف ائتماني في العالم، بالإضافة إلى "فيتش" و"ستاندرد أند بورز"، وتسيطر الوكالات الثلاث مجتمعةً على أكثر من 90% من سوق التصنيف وإصدارات الديون في العالم.
تقوم هذه الوكالات بالتصنيف الائتماني، وهو ببساطة تقييم لمدى قدرة الجهات المقترضة، سواء كانت دولة أو مؤسسة، على تسديد ديونها والوفاء بالتزاماتها المالية عبر تحليل وضعياتها الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية، وتحديد نسبة المخاطر، فكلما كان التصنيف ضعيفاً، كانت المخاطر عالية، وانخفضت قدرة المقترض على التسديد، وكلما ارتفع كانت المخاطر منخفظة وإمكانية التسديد عالية.
سُلم التصنيف الائتماني ينقسم إلى 8 مستويات، تنقسم بدورها إلى مجموعة من الدرجات، تبدأ بأعلى تصنيف ائتماني، وهو AAA وصولاً إلى أقل تصنيف، وهو D، كما يوضح ذلك الجدول التالي:
وتُرجع موديز في بلاغها سبب تصنيف تونس ضمن درجة B2 إلى سببين هما: تآكل قوتها المالية، ومخزونها من احتياطي العملة الأجنبية، وتوقعها بعدم تحسن ذلك بشكل كبير في السنوات المقبلة.
ذلك أن نسبة الدَّين الحكومي المركزي ارتفعت إلى حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2017 وسترتفع هذه النسبة تدريجياً خلال 2018؛ لتصل حسب توقعات "موديز" إلى حدود 73% سنة 2019، وسط انخفاض قدرة الدولة على تحمل الديون.
هذا إضافة إلى استمرار تفاقم عجز الحساب الجاري بقيمة 10.4% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل ارتفاع الدَّين الخارجي للاقتصاد لأكثر من 80% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يؤثر على كفاية الاحتياطيات.
يشير التقرير إلى توقع "موديز" أن تظل المقاييس الائتمانية لتونس متطابقة مع تصنيف B2؛ لذلك تم تعديل الأفق السلبي إلى أفق مستقبلي مستقر، في ظل توقعات بالتخفيف من عبء الدين الحكومي، وانخفاض بطيء لعجز الحساب الجاري، إذا تم الاستمرار في تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي للوصول لتغطية 50% من متطلبات التمويل المالي.
يأتي هذا التصنيف في وقت تعيش فيه البلاد وضعاً اقتصادياً وسياسياً صعباً؛ حيث كل المؤشرات الاقتصادية تنذر بالخطر، وحيث عدم الاستقرار السياسي ينذر بمواصلة تدهور المؤشرات الاقتصادية، وفي وقت أعلن فيه البنك المركزي عن نية تونس التوجه للسوق المالية الدولية لاقتراض مليار دولار في آخر شهر مارس/آذار الجاري، وفي وقت ينتظر فيه مصادقة صندوق النقد الدولي في اجتماعه القادم بواشنطن في 23 مارس/آذار الحالي.
الأكيد أن هذا التصنيف سيكون له الأثر الكبير على الوضع التونسي؛ إذ ستزداد صعوبة تعبئة الموارد المالية الخارجية لفائدة ميزانية الدولة، أو على الأقل سترتفع كلفة وفائدة القرض المبرمج في الأسواق المالية، وستتزعزع ثقة الدائنين في قدرة البلاد على الإيفاء بتعهداتها، وسيتأثر مناخ الاستثمار، ويزيد تخوف المستثمرين، كما سيزداد الضغط على الحكومة من جهة صندوق الدولي الذي يربط صرف أقساط قرضه بمدى تقدم الإصلاحات، خاصة فيما يتعلق بالتفويت في المؤسسات العمومية والتخفيض من كتلة الأجور (كما تربط أيضاً "موديز" هذه الإجراءات بأفق الاستقرار وتقليص عجز الميزانية)، وهي إجراءات تلقى معارضة شديدة من الاتحاد التونسي للشغل ومن فئات واسعة من الشعب؛ لانعكاسها المباشر على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي.
رغم هذا كله يقتصر اهتمام الأحزاب الحاكمة والأطراف الموقعة على "وثيقة قرطاج" على البحث في مستقبل ومصير حكومة يوسف الشاهد، والانتخابات البلدية المقبلة، دون اهتمام جدّيّ بمآلات الوضع الاقتصادي الكارثي وما يستوجبه من تجميع القوى وتوحيد الجهود؛ للخروج من الأزمة، أو على الأقل التخفيف من وطأتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.