في خِضَم التطور المهول الحاصل في العالم، ما زال المجتمع العربي يعاني من أزمة الاعتراف بالمرأة ككيان مستقل قائم بذاته، وما زالت النساء غير قادرات على تحديد هويتهن الحقيقية، ما زلن تائهات بين فتاوى الشيوخ وبين صوتهن الداخلي الذي يعج بالضجيج الناتج عن تأنيب الضمير وجلد الذات، كلما فكرن في احتياجاتهن وحقوقهن الطبيعية.
حياة المرأة ليست بالهينة في البلاد العربية، فمنذ نعومة أظفارها وهي في كنف أسرتها تبدأ سلسلة التمييز وزرع معتقدات سامة تترك أثرها على المدى الطويل، يبدأون بمعاملتها بطريقة مختلفة عن إخوانها الذكور، تُمنع من أشياء تباح لهم على وجه الخصوص بدعوى أنهم رجال قادرون على فعل ما يحلو لهم، حتى لو كانت أفعالهم خاطئة؛ لأن المجتمع لن يحاكمهم، ثم يحثّونها على خدمتهم والسهر على راحتهم، تتحمل أوامرهم وأعباء تنظيف مخلفاتهم؛ لأن عزتهم لن تسمح لهم بالعمل داخل البيت، فتلك الأمور حكر على النساء فقط، حتى وإن حاولت التذمر تغدو في نظرهم عاصية لا محالة.
كل هذا ولا يهبونها ثقتهم مطلقاً، بل يفضلون تضييق الحصار عليها وتتبّع خطواتها في كل صغيرة وكبيرة خوفاً من أن تجلب لهم العار.
هناك عقليات أخرى تختار الحل الأمثل من وجهة نظرهم، وهو تختينها، هكذا يضمنون الحفاظ على عفتها وسمعتهم في الآن ذاته، ويشترون راحة بالهم بارتكاب جريمة شنيعة في حقها، تكبر الفتاة ويكبر معها التساؤل: ما خطبي؟! لماذا كل هذه الفوارق والاختلافات تبحث عن المنطق في الإجابات، فلا تجد إلا من يقمع تفكيرها تكبر ويزداد كرهها لجسدها الذي ترى أنه مصدر معاناة، ويكبر خوفها من تسلّط الذكور ومن نظرتهم الشهوانية لها دون أدنى تقدير كأنها خلقت لتأدية رسالة الجنس والطبخ، تكبر وبداخلها شرخ كبير ومتناقضات أكبر، ثم تمضي بها الحياة وهي تبحث عن الحب واللمسة الحانية التي تشفي جروح قلبها الغائرة تبحث كثيراً في حنان الأب وحنو الأخ وحب الزوج وبر الأبناء وما تجده لا يروي عطشها، بل يجعل الفراغ في أعماقها أكبر، ثم تُقر أخيراً أن ضالتها مجرد سراب وتفضل الاستسلام أمام واقعها والاقتناع بأفكار الوعي الجمعي، وهذا بالضبط ما أرادوه لك.
أخبروك سيدتي أن صوتك عورة لا يجوز الجهر به أو إعلاؤه حتى وإن كنت على حق، كيف تواجهين رجلاً يملك القوامة وأنت ناقصة عقل بأي حق تتكلمين!
أخبروك أن تصبري وتخضعي حتى وإن تم تعنيفك، افعليها من أجل أبنائك، ولا تخشَي فلك الجنة بعد ذلك.
أخبروك أن تتزيني له وحده لتنالي رضاه وتشبعي شهوته خوفاً من أن يتركك وحيدة ويذهب للبحث عن غيرك ضاربين بعرض الحائط رغبتك أنت، علّموك كيف تحتقرين نفسك وجسدك، علموك كيف تمحين ملامح شخصيتك وتقمعين طموحك.
أوهموكِ أنك ضعيفة عاجزة، إمكانياتك محدودة وحريتك تنحصر بين جدران المحرم، جعلوك تشعرين أنك مخلوق من الدرجة الثانية، تعاقبين أشد العقاب على أخطائك، تجلدين، تضربين، تُهمّشين، تعنّفين بأبشع الطرق وسط تكبير المسلمين، وتحت اسم الدين وهو بريء من كل هذا.
أرهبوكِ من صفة المطلقة وجعلوها وصمة عار على عاتقك؛ لأن شتات الشمل يأتي من تقصير المرأة وإهمالها لذاتها ولبعلها المصون هذه قاعدة عربية بامتياز، ثم يتحدثون كثيراً عن شرفك وأخلاقك بمنتهى السهولة، ماذا عن شرف عقولهم ونظافة أفكارهم وتوازنهم النفسي؟!
في الحقيقة تصرفاتك سيدي لا تختلف كثيراً عن أفعال الجاهلية عندما كان وأد البنات خياراً متاحاً، أنت أيضاً تئدها في كل مرة تلومها عن حملها بابنتك في أحشائها وتفضل أن يكون الجنين ذكراً، تئدها عندما تمارس عليها العنف الجسدي واللفظي والجنسي في قعر دارك كأنها إحدى سباياك، تتفنن في إيذائها داخل معتقلك السري، وتتوارى خلف الشرع والحلال، أنت تئدها عندما تحتقرها وتنظر لجسدها دون عقلها.
لذا حاول أن تغيّر نظرتك الشهوانية عنها، وانفض غبار الموروث عن عقلك، هي شريكتك على هذه الأرض لها نفس الحقوق في العيش بكرامة وحرية، وإن كنت أباً حاول سيدي أن تجعل من بناتك ملكات في بيتك، امنحهن الحنان والحب اللامشروط، شجّعهن واستمع إليهن، ازرع الثقة فيهن، واجعلهن قويات بما فيه الكفاية لمواجهة جهل المجتمع واعلم جيداً أنهن لن يبحثن عن الحب خارجاً ما دمن مشبعات في بيتك لن يجلبن العار، وهن متمتعات بالحرية.
أما أنت سيدتي فحان الوقت لتثوري عقلياً وثقافياً؛ لتنزعي جذور الجهل بقوة، وتسمحي لنور الشمس أن ينجلي في حياتك مجدداً اقرئي وكوني واعية بذاتك ومواطن قوتك، ابحثي عن الحقائق بعيداً عما سوّقوه لك ومهما كان شكلك أو ظروفك، أحبّي نفسك وقدريها لأنك جديرة بالاحترام، فقط انطلقي وحقّقي أحلامك لوني عالمك بألوانك الزاهية، وغردي بترانيم الحرية في سمائك، ولا تنسَي أبداً أن الله أنزلك مكرمة وستبقين كذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.