عشها وكأنك تموت غدا

بين العودة إلى الماضي والتطلع لاكتشاف المستقبل تخسر الحاضر، الذي من شأنك أن تزهر فيه وتحصد من الفرص ما يغنيك عن سؤال حاجتك وتسوّل شفقة تلك وذاك.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/20 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/20 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش

دعونا نحسبها في كل الحالات، ندرسها من كل الجوانب والجهات، نراها من مختلف الزوايا والرؤى، لدى جميع الفئات والأفراد، نشخّصها حسب الوضع وشدة الوقع، وحتى لا نغفل الحيثيات المثيرة للجدل سنقرأ ما بين السطور؛ لنُدقق في المعاني ونرفع اللبس عن العبارات المبهمة، فنسرد من الخفايا حبكة تجعلنا وجهاً لوجه مع الحقيقة، حقيقة لطالما تحاشيناها خوفاً من إدراكها.

نعم سنضع الأمر تحت المجهر؛ لنعمق البحث أكثر حتى الوصول إلى خبايا الأشياء وجوهرها المكنون منذ الأزل.

بعد القيام بكل هذا وأكثر، سنكتشف أن لكل روايته الخاصة؛ بفصولها وشخوصها، بمجمل أحداثها ومجرياتها، بشتى مغامراتها وتحدياتها، بأبرز لحظات فرحها وأفجع صور حزنها، بأروع حب يرافقه سلام داخلي وأعظم كرب يصاحبه ألم باطني وجزع خارجي، بمراحلها ومختلف سنواتها.. هكذا تمر الحياة؛ دقائق تتسارع، فساعات وأيام تختزل، ثم أعوام تتراكم، وليس لك الحق في أن ترجو يوماً عودة الزمان للوراء لتغيير شيء أو إحداث فرق، الأمر أشبه باجتيازك امتحاناً فبمجرد تسليمك الورقة لا يحق لك استعادتها لتغيير شيء أو حتى تعديله.. لقد حُسم الأمر وانتهى.

فما جدوى أن تعيش ملتحفاً عباءة الأحزان، شاحباً من شدة الاستياء، نادماً على ما فات؟ ما الغاية من أن تزج بنفسك في دوامة لا تكاد تفك طلاسمها؟.

اعلم أن العالم أشبه بشركة، الكل يسعى جاهداً إلى التقدم والارتقاء، الكل يجابه الصعاب بغية اقتناص الفرص، الكل يراوغ هنا وهناك؛ ليسقط وينهض، ينجح ويفشل، لكن الأهم أن يصل الإنسان إلى مراقي الصعود ويحقق ذاته باحتلال الصدارة عن جدارة.

لن ينتظرك أحد، لتنفض غبار حزنك وهمّك على مهلك، فالوقت أثمن من الذهب، إنه وقت اللحاق بالرَّكْب، وقت العودة إلى مزمار السباق، وقت طيّ دفتر الذكريات وفتح صفحة جديدة للانطلاق، فكل ما مضى أصبح في زمان كان، عبرة قد مرت، وحكمة قد رسخت في البال.

فشل دراسي، فقر اجتماعي، عوز مادي، مرض مستعصٍ، فقدان أحبة.. إلخ، كلها حواجز تعرقل المُضي، وإن الحكيم لمن يستطيع وسط هذه الجلبة أن يقف منتصب القامة، مرفوع الهامة، مستعداً لكل الاحتمالات، متحدياً ذاته قبل الصعاب، متجاوزاً مخاوفه وكل هواجسه؛ ليعيش يومه وكأنه المتبقي، يقدّر الثانية من وقته ويسعى جاهداً لتحقيق غاياته بدل تأجيلها يوماً تلو الآخر، حتى يخمد لهيب شغفه ويستحضر ما تبقَّى من آماله.

أن تجهد نفسك باستباق المستقبل وأحداثه، أو ترهق ذهنك باستحضار صور الماضي وأحزانه، كلا الأمرين لن يزيد إلا من مأساتك واستنزاف طاقاتك.

فبين العودة إلى الماضي والتطلع لاكتشاف المستقبل تخسر الحاضر، الذي من شأنك أن تزهر فيه وتحصد من الفرص ما يغنيك عن سؤال حاجتك وتسوّل شفقة تلك وذاك.

عِش يومك مستغلاً كل لحظة، مستفيداً من كل خطوة، صانعاً الحدث وباحثاً عن الفرصة، مطوّراً قدراتك، عازماً على بلوغ مرادك لا فشل الماضي يعثر مسارك، ولا غموض المستقبل يعكّر صفو مزاجك.. فليس من الضروري أن تحقق غايتك دفعة واحدة، فيوماً تلو آخر تتسع الرقعة وتتضح الصورة؛ ليزداد شغفك وتطلعك إلى الأفضل، فقد يحملك العمل الجاد والدؤوب إلى عوالم جديدة وآفاق حديثة واعدة لم تخطر على بالك يوماً.

عندما سأل الله موسى عن طلبه، قال: ربّ أرني أنظر إليك، وهو بذلك يطلب أكبر الأمور وأشدها، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن طموح الإنسان لا يعرف حدوداً، فقد يحمله إلى تحقيق المحال وتكسير قيود الأمر المعتاد.

إذن فلتسارع إلى رفع سقف أمنياتك، ولتعمل جاهداً لتحقيق ولو جزء من تطلعاتك في كل يوم، معتبراً أنه فرصتك الوحيدة لنيل مرادك وتحقيق طموحك وإثبات ذاته وقدراتك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد