تعد تجربة المارشميلو التي أجرتها جامعة ستانفورد في ستينيات القرن الماضي، أكثر التجارب التي يستدل بها على أثر مقاومة المغريات الحالية في مقابل الحصول على عوائد إيجابية في المستقبل.
في هذه التجربة قدم الباحث لحوالي 600 طفل في عمر الخامسة تقريباً، قطعة من حلوى المارشميلو وتركهم في غرفة صغيرة لا تحتوي على شيء سوى الكرسي والطاولة وطبق الحلوى، وكان الاتفاق أن الطفل إذا صبر ولم يأكل الحلوى حتى عودة الباحث بعد ربع ساعة، فسيحصل على قطعة أخرى.
30% فقط لم يأكلوا قطعة الحلوى، وبعد حوالي 12 سنة وجد باحثو الدراسة أن هؤلاء الأطفال كانت نتائج امتحانات قبولهم للجامعة أفضل من أقرانهم الذين تناولوا الحلوى ولم يصبروا، كما أنهم كانوا أقل عرضة لإدمان الكحول أو المواد المخدرة، وكانوا أفضل في بناء العلاقات الاجتماعية.
هذه الدراسة تم تكرارها ومتابعة المشاركين فيها على فترات مختلفة حتى بدايات القرن الحالي، وتشابهت النتائج في أن من استطاعوا الانتظار كانوا أفضل اجتماعياً ومهنياً من أولئك الذين لم يستطيعوا.
ورغم أن التصرفات والميول الإنسانية أكثر تعقيداً مما تظهر هذه الدراسة، غير أن النتيجة الواضحة المؤكدة من التجارب السابقة أن النجاح متعلق بمدى قدرة المرء على تجاوز أو مقاومة المغريات ذات النتائج الفورية في سبيل تحقيق النجاح المستقبلي. ولكي يحدث هذا يقتضي الأمر أن يعمل المرء على تنمية مهارات تحديد الأولويات وتقييم النتائج والتفكير بالأبعاد الحالية والمستقبلية للقرارات التي يتخذها.
ورغم أن الأمر يبدو صعباً في عالم يتسابق لإبراز الأسرع والأقرب، ويمجد فرص الراحة ويخلق مجتمعاً استهلاكياً، يركز على المتع الآنية، كأن الإنسان قرد في سيرك ينتظر الفستق بعد كل حركة بهلوانية، إلا أن القدرة على مقاومة المغريات والتحكم بالذات يمكن تنميتها وتدريبها وتقويتها بالطرق التالية:
• حدد أهدافك وأولوياتك: حين تحدد ماذا تريد وماهي القيم المهمة في حياتك سيصبح اتخاذ القرار أسهل، إذا كانت الصحة الجيدة مثلاً قيمة مهمة لديك، ستكون ممارسة الرياضة أهم من مشاهدة التلفاز، أو سيكون تناول الخضراوات أكثر أهمية من تناول رقائق البطاطس أو الشكولاتة، وحتى إذا ما اخترت تناول الحلويات بدلاً من الطعام الصحي ستتعامل مع الأمر بوعي ولن تفرط فيه.
• تخلص من المغريات: يرى دان أريلي أستاذ علم النفس والإدارة أن التخلص من المغريات أسهل من مقاومتها، فإذا كنت تعاني من كثرة تناول الحلويات لا تشتريها وتملأ خزائنك بها، إذا كنت تفرط في استخدام هاتفك أو الألعاب الإلكترونية فلا تتركها في متناول يدك طوال الوقت بل احفظها في خزانة مغلقة أو اتركها في غرفة أخرى.
• أشغل نفسك: لاحظ الباحثون في تجربة المارشميلو أن بعض الأطفال الذين استطاعوا الانتظار شغلوا أنفسهم عن قطعة الحلوى، بالمشي في الغرفة أو الجلوس تحت الطاولة. فإذا أحسست بالرغبة الملحة لفعل شيء لا ينبغي عليك فعله، فأشغل نفسك بنشاط آخر، أو غادر الغرفة، أو حاول قراءة كتاب.
• غير طريقة تفكيرك: في تجربة مشابهة لتجربة المارشميلو قدم الباحثون للأطفال قطعة مارشميلو وتم تقسيمهم لثلاث مجموعات، طُلب من المجموعة الأولى أن تفكر في شكل خصائص حلوى المارشميلو، وكيف أن لونها وقوامها يشبه الغيوم في السماء، ثم طلب من المجموعة الثانية أن تفكر في متعة أكل المارشميلو وحلاوة طعمها وكيف تذوب في الفم. بينما طلب من المجموعة الثالثة أن تفكر في البسكويت المملح ولذة طعمه وقرمشته.
اللافت للنظر أن المجموعة الاولى انتظرت وقتاً يفوق وقت انتظار المجموعة الثانية بثلاث مرات، بينما استطاعت المجموعة الثالثة التفوق على الجميع بأطول فترات انتظار قبل تناول الحلوى.
وبناء على هذه التجربة فإن تغيير طريقة التفكير يمكن أن تقلل من حدة المغريات، فإذا كنت مثلاً تحاول ترك التدخين، فبدلاً من التفكير في لذة الدخان، فكر في الرائحة المزعجة التي يتركها، أو المكونات الكيميائية التي يحتويها، أو فكر بمتعة أخرى ذات أثر إيجابي.
• فكر في النتائج: هل تشعر بالكسل وتود النوم بدلاً من الدراسة؟ هل تود أن تتناول طعام العشاء من مطاعم الوجبات السريعة؟ هل تود تصفح الإنترنت بدلاً من لعب الرياضة؟ حاول التفكير في النتائج، في متعة الحصول على جسم صحي، في سعادتك بنجاحك وتفوقك في دراستك، بالأثر السلبي الذي تتركه الوجبات السريعة كزيادة الوزن أو ارتفاع الكوليسترول أو شعورك بالذنب لتضييع وقتك أو تدخينك.
• قلل من الضغوطات: تعرضك للكثير من الضغوطات سيستنزف طاقتك النفسية والجسدية، وستبدأ لا شعورياً بالبحث عن متنفس يريحك أو يقلل من توترك، وقد يصعب أحياناً الالتزام بطرق إيجابية لتخفيف التوتر.
• احصل على الدعم: رافق أصدقاء أو انضم لمجموعة تسعى لتحقيق أهداف تشبه أهدافك أو تحاول ترك أو بناء عادات تشبه عاداتك، أو تواصل مع صديق يستطيع دعمك وتشجيعك.
• احتفل بإنجازاتك: الالتزام بتحقيق أهداف كبيرة، يحتاج إلى العمل الكثير الجاد، يحتاج إلى ترك العديد أو التقليل من المتع الفورية الآنية، وبالتالي قد يبدو العمل متعباً، مملاً، أو بلا فائدة، لكن الحقيقة عكس ذلك، وبناء عليه قدر مجهوداتك واحتفل بإنجازاتك من فترة لأخرى ولو كانت صغيرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.