تقول الطرفة الساخرة من واقعنا: إن مخلوقاتٍ فضائية حطت على أرضنا.. فحين شاهدهم الألمان تساءلوا: كيف يمكن أن نستفيد من علومهم ونقوم بتطويرها؟ وحين شاهدهم الروس تساءلوا: كيف يمكن لصواريخنا الباليستية أن تصل إليهم مثلما وصلوا هم إلينا؟ وحين شاهدهم الأميركان تساءلوا: كيف يمكن لنا أن نصنع أسلحة أقوى من أسلحتهم؟ أما حين شاهدهم سكان العالم العربي.. فتساءلوا: هل هم ذكور أم إناث؟ وهل يجوز نكاحهم؟!
لا أدري لماذا تذكرت هذه الطرفة المضحكة المبكية وأنا أتابع الجدل الإسلامي حول مصير الفيزيائي الألمعي الأشهر على مستوى العالم "ستفين هوكينغ" والذي رحل عن عالمنا، يوم الأربعاء 14 مارس/آذار 2018، عن عمر يناهز 76 عاماً، لتنتهي بذلك قصة كفاحٍ نادرة لشخص استثنائي قد لا يتكرر!
لم يكن ستيفن هوكينغ عالماً عادياً أو شخصاً اعتيادياً؛ بل كان مثالاً مُوحِياً ومُلهِمَاً في تحويل المحنة إلى منحة، وفي ولادة الأمل من رحم الألم، وفي صناعة الحياة
ولد هوكينغ عام 1942 في إنكلترا كأي طفلٍ طبيعي، وظهر نبوغه الدراسي مبكراً حتى التحق بجامعة أكسفورد لدراسة الفيزياء، وفي عامه الجامعي الأخير هاجمه مرضٌ نادر يُدعىَ (التصلُّب الجانبي الضموري) وتدهورت حالته الصحية بشكل متسارع حتى أصيب بشلل كامل بعدها بسنوات ولم يعد قادراً حتى على النطق!
رغم هذا المرض البشع، فقد التحق هوكينغ بجامعة كمبردج، ليواصل دراساته العليا حتى حصل على درجة الدكتوراه، وواصل أبحاثه -رغم مرضه- ليصبح ضمن أبرز الأسماء العالمية في علم الفيزياء.
في عام 2011، أعلن هوكينغ عن رأيه الديني الصادم لمن يعرفه، وذلك حين قرر أنه لا وجود للجنة أو النار؛ بل ولا وجود حتى للخالق -سبحانه- ليصبح بذلك من أشهر الملحدين على مستوى العالم، رغم أنه أقرَّ أيضاً بأنَّ العالَمَ قبل الانفجار الكبير (Big Bang) كان مسبوقاً بعدم! فمن الذي أوجده من هذا العدم؟
لكنَّ المثير للدهشة؛ أنه وفيما انشغل غيرُنا بنعي هذا العالِم النابغة الذي خسره العالَم، وكان مثالاً يُحتذى به في الصبر والمثابرة والتحدي، وكانت له عشرات الإسهامات الخيرية، والأنشطة الاجتماعية النافعة للناس، انشغلنا نحنُ بالكلام عن مصيره في الآخرة!
أدري أن بعضهم سيبادرني بقوله: ولكنّ الرجل قد أعلن إلحاده وتحديه الخالق تعالى، فلماذا ترفضُ الكلام عن مصيره؟ أم تريدُ من الله تعالى أن يدخله الجنَّةَ وقد أعلنَ كفرَهُ به وبها؟
وهؤلاء تغيب عنهم حقيقةٌ في غاية البساطة، وهي أننا لا نحكمُ لأحدٍ بجنةٍ ولا بنارٍ ما لم يرد بخصوصه شيء في القرآن العظيم أو السنّة الصحيحة؛ لأن هذا الحكم مما اختصه الله تعالى لنفسه، ولم يتعبدنا به أصلاً! والأصل أن ننشغل بأنفسنا نحنُ وبمصائرنا بدل أن ننشغل بغيرنا عن غيِّنا!
فإن قال قائلهم: لكنّ الله تعالى قد توعَّد الكافرين بالعذاب الشديد كما دلّ على هذا كتابُهُ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فأقول: هذا فيمن قامت عليه الحُجَّةُ وبانت له المَحَجَّة، كما قامت على مشركي قريش بأمرين اثنين:
أما الأول: فلأنَّ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد عاش بين ظهرانيهم، وعرفوه بصدقه وأمانته حتى من قبل نزول رسالة الإسلام على قلبه الشريف، فما كان ليمتنع من الكذب على الناس ثم يكذب على رب العالمين!
وأما الثاني: فلأنهم كانوا أهل اللغة والفصاحة والبلاغة، وقد أقروا واعترفوا بأن القرآن الكريم ليس من جنس كلام البشر، وإنما صدّهم أنَّ الإسلامَ كان يمثلُ ثورةً شاملةً على أوضاعِهِم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية فعاندوا الدعوة وحاربوها رغم تيقنهم من سلامتها عن كل معارض.
ومن ثم، فلا يمكننا أن نتصوَّرَ قيامَ الحجة على كل من يخالفنا الاعتقاد من أهل الأرض، فلا هم أهل اللسان العربي كما كان مشركو العرب، ولا عاش الرسول الكريم بين أظهرهم فشهدوا له بالصدق والأمانة ثم عادوا ليتهموه -ظلماً وعلواً- بالكذب والخيانة كما فعلت قريش.
أكتبُ هذا وأنا أعلمُ أن وجودَ الخالقِ تعالى مسألةٌ مبذورةٌ ومودعةٌ في كل فطرة سليمةٍ لم تشوهها شُبهَةٌ، ولم تأتِ عليها شهوة! لكنَّ مرادي أن أقول: إن الأهدَى والأجدَى أن ننشغل بأنفسِنا! وأن نترك إصدار الأحكام على الناس لله ربِّ العالمين، وأذكرُ في هذا المقامِ عبارةً بليغةً قالها الدكتور طارق السويدان -حفظه الله- وهو يصفُ الفارق بين المتسامح والمتشدد، قال: إن المتشدد مهمومٌ بإدخال الناس إلى النار، أما المتسامح فهو مهمومٌ بدخول الجنة، ولو دخلها كلُّ الناس معه!
فمن أي الفريقين أنت؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.