صناعة التفاهة

تبدأ القصة بمحرر المحتوى وصانعه؛ حيث يفكر الفنان أو السياسي أو الفكاهي بالموضوع أو العمل الذي سيطرحه في السوق، وبناءً على الذوق العام المنتشر يتم اختيار الطريقة التي سيتم بها تسويق المشروع، ويتم رصد المبالغ المالية الكافية لإنتاجه ثم عرضه على المتلقي.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/16 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/16 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش

في ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي تعرفه المجتمعات العربية، والاهتمام المتزايد بوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت ترتبط بحياتنا اليومية، أصبح الحديث عن "الإنتاج الرقمي" داخل هذه الفضاءات، بمختلف المجالات، فنية أو سياسية، إعلامية أو مؤسساتية، فصاحبت هذا التطور شركات إنتاج خاصة بالمحتوى الرقمي، تتعاقد مع الفنانين والمؤسسات الإعلامية والأحزاب السياسية والحكومات والدول..

هذا الإنتاج الرقمي الذي بدأت تغزوه "التفاهة" انطلاقاً من وصف العديد من رواد الشبكة العنكبوتية وفضاءات التواصل الاجتماعي، هذا ما جعلني أغوص في تعاليق وآراء طارحاً سؤالاً عميقاً: مَن وراء تبنّي هذه التفاهة، ونشرها، وتسويقها للعموم؟

يُخطئ الكثيرون حينما يفصلون هذه الإنتاجات عن الاهتمام الجماهيري؛ حيث يعتقد المتابع أن هناك سيطرة من جهة واحدة، التي تنتج المحتوى فقط، ويبقى المتابع هو الحلقة الضعيفة التي تستهلك فقط، وتشتكي من قلة الذوق والتفاهة، أو تشجع الإبداع والرقي، لكن بوصول هذا المحتوى إلى حائطك الفيسبوكي، أو صفحتك على اليوتيوب، يكون قد مرّ بالعديد من المراحل قبل أن يصبح مادة للمتابعة والإعجاب أو الانتقاد.

أنت هو صانع التفاهة

تبدأ القصة بمحرر المحتوى وصانعه؛ حيث يفكر الفنان أو السياسي أو الفكاهي بالموضوع أو العمل الذي سيطرحه في السوق، وبناءً على الذوق العام المنتشر يتم اختيار الطريقة التي سيتم بها تسويق المشروع، ويتم رصد المبالغ المالية الكافية لإنتاجه ثم عرضه على المتلقي.

بعد ذلك، يصل هذا المحتوى إلى قنوات اليوتيوب أو صفحات الفيسبوك، وتبدأ خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي بالاشتغال؛ حيث يتم تصنيفه انطلاقاً من عدد المتفاعلين معه، بأزرار الإعجاب أو المشاركة، إلى أن يعتبر "الروبوت" الخاص بعرض التحديثات على حائطك أن هذا المحتوى ربما سيكون محط اهتمامك؛ لأن العديد من أصدقائك أو محيط أو بلدك قد اهتموا به، وزر "Trending" على اليوتيوب هو خير مثال على ما أحاول شرحه؛ حيث تجتمع الأخبار والفيديوهات والأعمال التي تمت مشاهدتها من طرف المتتبعين ويتم ترتيبها حسب أعداد المشاهدة.

انطلاقاً من النقطة السابقة نفهم أن الذي يؤول دون انتشار المحتوى الهادف، بالمرتبة الأولى هم المتتبعون والمستهلكون لهذا المحتوى؛ حيث إن ارتباط شبكات التواصل الاجتماعي بأرض الواقع يشكّل نقطة محورية في نوع المحتوى المنتشر، الاهتمامات اليومية للشعوب هي من تختار صراحة المحتوى الأكثر انتشاراً؛ حيث يمكن أن أفسّر هذه الظاهرة بالملفات أو قضايا الساعة التي تكون محط متابعة في بعض الأيام؛ حيث إن اهتمام الشعب بـ"قضية ما" يجعلها تتربّع على محركات البحث وصفحات التواصل الاجتماعي وفيديوهات اليوتيوب..

خطة سياسية

بعيداً عن نظرية المؤامرة، تستفيد دول العالم الثالث من الهيجان الذي يعرفه العالم الرقمي بالمحتوى التافه، في ظل الرغبة القوية للدول المتراجعة ديمقراطياً، في استمرار هذه الظاهرة؛ لأنها تحجب أخطار "الوعي" بالحقوق والواجبات، فيتحول الحس النقدي الذي ينتج عن متابعة لمواد هادفة وتكوينية أو ترفيهية راقية، إلى حس "فضائحي" و"سطحي" من طرف سكان الفيسبوك واليوتيوب.

في ظل كل ما بسطته سابقاً، من الصعب أن نقدم حلولاً واضحة لمحاربة صناعة المحتوى التافه؛ لأنه بطريقة أو بأخرى يعبّر عن مدى وعي المواطنين والمستهلكين بهذه الدول؛ حيث هناك فئة تتابع وتتغذى على هذا المحتوى وتسانده حتى ولو بحسن نية أحياناً.

لذلك فالواجب على المجتمعات والمؤسسات والجمعيات والمبادرات أن تطور فضاءات نقاش وتكوين وبناء وعي لمواطنيها؛ لأنه هذه المبادرات هي التي ستمنع الفرد من أن يكون صانعاً للتفاهة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد