لا تفرحن كثيراً.. غداً يعود كل شيء لنصابه السابق، سيعود الرجل يفكر أن انشغال المرأة خارج البيت مضيعة للوقت، وتفريط في أطفالها، وتقصير تجاه العائلة ومسؤولياتها، والأهم من كل ذلك تقصير في واجبها نحوه الرجل، وإن كانت تقوم بكل ما يريده وأكثر.
غداً.. سيعود المجتمع يستضعفها من جديد بحجة أنها تحمل صفة الأنثى، ويثبط من عزيمتها (على فكرة هو نفسه المجتمع الذي وقف اليوم إجلالاً واحتراماً لها وهو يرفع القبعات والزهور لها).
غداً.. ستُشْتَم المرأة في الطرقات، وتدخل غابة الحيوانات، وكل مخالفة ستقع الأكيد ستكون سببها امرأة لا تعرف كيف تقود، حتى وإن كان الشارع الذي وقع فيه الحادث يخلو تماماً من نساء سائقات.
غداً.. أيضاً سيتشاجر ألف رجل مع أزواجهن؛ لأنهن لم يدرس الأولاد أو نسين أن يكوين لهم ثيابهم، في الوقت الذي يمسك الرجل بجريدته وأمامه كوب قهوته على "فرندة البيت".
غداً.. وبين ليلة وضحاها ستتحول تلك التي تحمل كل العالم على أكتافها إلى مَن لا تستطيع أن تتواصل مع ابنها المراهق وزوجها النكدي، وأن كل الذنب ذنبها هي، بل وهي سبب كل المشاكل.
فجأة وغداً بالتحديد.. سيصير تواجد المرأة في الشارع فتنةً، ويجب أن يقرن في بيوتهن ولا يغادرنها، وستقدم ألف فتوى ومليون درس على إذا ما كانت تغطية وجه المرأة واجباً أو مستحباً.
غدا كذلك.. سيتحول أعظم إنجاز يمكن أن تصنعه المرأة هو أن تجد رجلاً، بغضّ النظر عن صفاته وأخلاقه وتفاصيله، المهم أنه كائن لديه شارب ولحية، وتبني أسرة وكفى، وما دونه تضييع وقت؛ لأن المرأة مصيرها بيتها وعيالها وغسيلها.
بل وستتحول تلك التي وصل عمرها إلى 25 سنة أو 30 سنة ولم تتزوج عانساً، وإن كانت بالمقابل عالمة أحياء وذرة وغيّرت كل العالم بمفردها.
فلا تفرحي كثيراً سيدتي بالوردة التي قدموها لك اليوم كهدية يعبرون بها عن امتنانهم، فغداً ستتحول إلى لفّة بصل وثوم، وكومة غسيل، والكثير الكثير من الواجبات المدرسية التي لا يستطيع أي أحد مساعدتك في حلها، إلا طبعاً ابنك أو أخوك صاحب الدرس.
ولا تتفاجئي إن خرج اليوم الرجل الرومانسي من الهيئة الشرقية يحتفي بالمرأة ويقدس تفاصيلها، ويقر ويعترف بأهميتها في حياته وعظمة ما تفعله، ويطربها شعراً من قبيل أنها الماء والهواء والتربة والنار وكل الطاقات المتواجدة في الكون، فغداً سيعيد ارتداء شرقيته فلم يتعوّد على دونها ولا أحسبه يفعل.
وإنني أتساءل هنا إذا كان يستطيع أن يكون بمثل هذه الطبية وبعظيم هذا الوعي والتفهم، وأن في شخصيته هذه الزاوية المنيرة، فلمَ لا يفتح لها المجال باقي أيام السنة؟
فلست أدري لمَ ننتظر عيد المرأة كل ثامن من مارس/آذار؛ ليكون نافذة نفتحها على اعترافات لصالح المرأة؟ لست أدري ما كان يمنع من الإدلاء بها في الـ364 يوماً الأخرى؟
لا تتوقعي عزيزتي الكثير وشدّي عضضكِ بك، ثابري، انجحي، أنجزي، تفاءلي، وأثبِتي لنفسك أنك تستطعين، إذا أردتِ وصلتِ، وإذا نجحتِ أبهرتِ، وقبل كل ذلك لا بأس أن تنزلي إلى أقرب صيدلية أمامك وتشتري صمامات لأذنيك؛ كي لا تسمعي أي ضجيج لمثبط، ولا عاقر أفكار، ولا قاصر نظر.
فيكفي أن يكون كل ما تقومين به يدخل من باب رضا ربك والتوكل عليه، وحاولي وإن فشلتِ عاودي.. وإن فشلتِ عاودي.. إلى أن يمل الصبر منك، وثقي بأن ربك لا يضيع أجر مَن أحسن عملاً من ذكر أو أنثى، فلا تعتبري لجُورهم إذا كان ربك أعدل العادلين.
أما إلى سيدي الرجل، الذي يقف دائماً سنداً للمرأة، يدفعها دفعاً للنجاح، يشد من عزيمتها، لا يرى استنقاصاً من رجولته إن شجع ابنته على الوصول إلى طموحها، وقف مع أمه في المطبخ يعاونها، مسح عن أخته عرق تعب يومها، احترم كل جارته، كان الداعم الأول.. والرجل الأول.. والسند الأول.. والبسمة الأولى.. لزوجته، يشاركها طموحها، نجاحها، مسؤولياتها.
أقول لهذا العظيم: إنك أجمل الهدايا التي يمكن أن تكون دفعة مقويّة للمرأة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.