انتزع نفسك قليلاً هنا، ربّما ستُـثقلُ الحروف على قلبكَ المُثقلِ بالأحلام وفكرك المشغول بطموحاتك التي لا تنتهي.
أتعلمُ حقاً ما أعنيه بالقلب المثقَلِ هذا، وكميّة الشغف الّتي كلما ازدادت فيه غرزتهُ بإبرة حادة تحرقُه فيُنير كمشكاةٍ نقيّة لم يمسّها السوء؟!
لا تعتقد يوماً أن من يملكون طاقةً إيجابية -في نظرك- تجاهلوا السلبيّة بسهولة، أو تظنّ أنّ ابتسامتهم العميقة التي لا تملُّ من تأملها شيئاً يفعلونه ببساطة!
خذ جولةً خلف بريقِ أعينهِم الدافئ، ستجد براكين تتفجّر، وستجد أنهم فعلوا أشياء كثيرةً بينهم وبين أنفسهم؛ ليكونوا كذلك، مجالسات مع الذات لتصالح ما بينها وبينها، وتقاوم كلّ ما تعيشُه ولا يرضيها، صعوبة قول لا، وصعوبة سماعها وتقبّلها، والأثر القاسي الذي تركته رغم ذلك يبتلعونها؛ ليقفوا بعدها من جديد كأنها لم تكُن، بل ويكافحون بسيوفِ إرادتهم العظيمة ليكونوا رَغمَ أنفِها (أقوى).
ما حال القلوب الحالمة يا ترى؟ كم تحترقُ فتبكي عيونهم على فرصةٍ أضاعوها كانتْ ستجعل شيئاً تطلّعوا إليه أقرب إليهم وقد يحقّقُ لهم مسعاهم! لو أنكم تعلمون ما تعنيه دموع الحالمين إذا انكسروا.. وأنّات أعماقهم المُريدة الساعية.. وما يعنيه صمتُهم إذا في خيالهم سرحوا!
أوراقهم والخطط المعدّة والدفاتر والملاحظات والأفكار الّتي أثارت خلايا دماغهم النابض بها، والتي أنهكت مخيّلتهم الواسعة رغبتهم بتحقيقها كلّ ليلة!
ليلُ الحالِم فهو مسكنٌ لأرواحهم بحجم الفضاء ممتدّ الأفق، يريدُ النوم ولا ينام، يحتاج المزيد من الليل، لكنّه يرغب بالصبح؛ كي يلاقي أحلامه ويمتلكها.
عقله في صراعٍ مستمر، يغرقُه أحياناً في دوّامةٍ يتيهُ فيها، ويصبحُ الخروج منها والعودة إلى نفسهِ التي أرادها أن تكون صراعاً جديداً، مزعوج من نومه إن ثقل ومن وقته إذا استنزف، ضجرٌ من حكايا البشر ولهوهم!
لذا يكون في خلافٍ مع الكثير من البشر دائماً، إلا أنّ قلبه يتناغم متوافقاً مع الطبيعة، فكلّ تلك الصراعات تتبخرُ في لحظات مع بُخارِ كوبٍ من مشروبٍ دافئ لذيذ، طير أعلن لحناً ساحراً، أو خاطرة لكاتبٍ مُلهم تحتضنُ حروفه كلّ شيء.
ستبدو الزهرة التي تداعبها نحلة بِرقّة، عالمٌ يلبّي نداءكَ، ليسكنَ قلبك ويقطُرَ العسَلَ فيه! ستقبّل يديّ أمّك وتغرق في ثنايا بسمتها وهي تُتمتمُ بدعوات الرضا لك، وستكون كلّ شَيبةٍ في لحيةِ أبيكَ تدفَعُكَ لبذلِ المزيد من أجله!
لحظات متفاوتة، والروح تنادي..
فهل لكُم أن تشعروا بوقعِ آيةٍ ربانيّة على مسمعِ الحالمين، مثلَ قوله تبارك وتعالى: (إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة)؟ كم تضخُّ آيةٌ كهذه شعلةً من الهمّة في نفوسهم، فتملأهُم علّهم يفيضون بعدها عملاً، صوتُ الإله بداخلهم أعلى من كل أصوات الأرض، فإن أصغوا لهُ كان لابتسامتهم نوراً ولخوفهم أمناً وأُهدوا سبيلاً مكلّلاً بالطمأنينة يأخذهم إليه كلّما تاهوا.
الأحلام العظيمة التي تسكنُنا، وتجعلُنا نُعظّمُ المفاهيم في هذا الوجود ونلتمسُ عُمقها وأثرها، تصنعُ من أنفُسِنا شيئاً فشيئاً أشياءَ عظيمة تجذِبُ بعضها بعضاً، ليحينَ مخاضٌ للولادةِ الأهم في حياتك، ولادة منتظرةٌ منذُ سنينَ بعددِ سنواتِ عمرك، ولادة يُخرج فيها من أحشائنا [الإنسان] الذي استحقّ أن يخاطَبُ بــ: (إنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الأرضِ).
الأحلامُ العظيمة تناديكَ من ثغورِ نقصِكَ وتأخذُ بيدك نحو الكماليّات المُمكِنة، تأخذ بيدكَ في رحلة تتعرفُ فيها على نفسك، بشريّتُكَ الطبيعيّة وإنسانيّتُك الحَقِيقيّة، ومن إنسانك الحقيقي هذا تبدأُ رحلتكَ في معرفة خالق الإنسان، ربُّك..
فتمُرّ ذكرى المعلمة التي كانت تسألُ سؤالاً لنا ونحنُ طلابُها المتسمرّون أمامها:
* "مَن ربُّك"؟
ونردُّ جميعاً بصوتٍ موحد مرتفع مُتباهين بمعرفة الإجابة:
– "ربّي الله الذي ربّاني وربّى جميع العالمين".
رحلةُ [الإنسان] تجعلهُ يُدرك كم معرفة إجابة هذا السؤال صعبة.
كُلما كَبُرت الأحلام طالت الرحلة، وكانت الإجابات أصعب، وتفجّرت الأسئلة كبركانٍ متدفق، تبحرُ على متنهِ بزورقٍ خفيف، التجديفُ فيه مُعضلةٌ، وكلّ بركان يتفجّرُ في قلبه بُركان جديد.
وأنتَ أيّها الإنسان أنت تبحر، وسَتَظلُّ تبحر بلا توقف لتعرف وتعرف "وتغرق لتطفوا".
"وتُنسى كأنّك لم تَكُنْ"؛ لِتكون حروف قصيدةُ درويش هذه هي أنتَ بشكلٍ أو بآخر.
فتشهدُ بعدها: أنّكَ "حُرٌّ وحيٌّ حين تُنسى".
الحُلم يا سادتي ليسَ لعبةً يلتقطُها الهواة بعبث، الحُلم أن تَنزِفَ خباياكَ شوقاً إليهِ..
الحُلم أن تثورَ أعماقُكَ وكلّ خلاياكَ في ثورة استبصارٍ وتفكُّر، وتحافِظ على ابتسامةٍ لا تكون إلّا نسيماً عليلاً هادِئاً لمن رآها.
الحُلم أن تمضي بخطواتٍ ملؤها الثقة، أن تكونَ نفسُك الأقربَ إليك في هذا العالم، أن تُدرِكَ ما أنتَ عليه وما يجبُ عليكَ أن تَكونَه!
الحُلم العظيم.. (أن تَبكِي لِكَيْ تَكُـونَه).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.