احضني.. شكراً!

ظللت مدة أحاول استيعاب الأمر، لماذا تحول السلام اليومي بين الزملاء لحضن وقبلات؟! وكيف ومتى؟؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/12 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/12 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش

ذلك المشهد الذي تكرر في مشاهد الأفلام الأجنبية حين يتعانق البطلان في سياق ليس بالضرورة أن يكون رومانسياً، وإنما في مقابلة عفوية سريعة، لا يحمل أي منحى غرائزي كما عهدناه في بلادنا العربية.

هكذا ترسخت داخلي صورة الحضن الذي -من وجهة نظري يخص الثقافة الغربية، إنما نحن فالحضن فقط بين الزوجين في علاقة شرعية أو فيما يرضي الله- كما نقول.

وعندما بدأت رحلتي في لندن، كانت المفاجأة..
فبينما لا ُيسمح بلمس السيدات بعضهن لبعض، إذ قد يكون مؤشراً لعلاقة شاذة بينهما، أو في أقل التقديرات يعتبر تعدياً للمساحة الشخصية للمجني عليها الملموسة!
يمكن وبكل أريحية تبادل الأحضان والقبلات بين الرجال والنساء في أي وقت وفي أي مكان دون حرج!

أذكر حينما أخطأت وأنا أقف في صف أولياء الأمور لحضور حفل ابني بالمدرسة وقد هممت بلمس كتف إحدى الأمهات التي لم تستطع سماع صوتي وأنا أناديها فاضطررت لجذب انتباهها باللمس.

فنظرت إليَّ محلقة وقد اتسعت عيناها من الدهشة، ثم أزاحت وجهها جانباً مرة أخرى دون أن ترد!
وعندما سألت زوجي – الذي سبقنا في معرفة الثقافة الإنكليزية، رد بأن التلامس يعد تعدياً لحرية الآخرين ولا يقبل الكثير هذه الحركة.

وفي حفل عيد ميلاد صديقة بناتي، قررت تنفيذ التعليمات وألا تمتد يدي للسلام العميق بيني وبين أم الطفلة، واكفيت بالسلام البارد الذي تمتاز به لندن بشكل عام.

لأجد يد زوجها تمتد حول كتفي فجأة دون إنذار ليعبر بها عن ترحابه، وكان أمامي أحد الخيارين؛ إما أن أصفعه على وجهه كما تربينا في بلادنا على مواجهة التحرش، أو أن اتقدم خطوة للأمام من أجل تفادي ملامسته لي، وهذا ما فعلته.

خرجت يومها على استيعاب كامل بمعادلة التلامس والأحضان في الثقافة الغربية، وقررت منذ ذلك اليوم تنفيذ المثل المصري الذي يقول: "الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح".

ليأتي يوم أكتشف فيه أن الحضن ليس حكراً للغرب وإنما هو أمر عادي روتيني للعرب أيضاً!!

"هو ده أخوها"؟! هكذا سألتني إحداهن عندما شاهدت واحدة تعانق زميلها في العمل بكل عفوية ثم قبلته على خديه، كما نفعل نحن عندما نقابل صديقتنا.
ربما ليس من حق السائلة أن تتدخل في شئونها؛ ولكن لا أخفيكم سراً أن الفضول كاد يقتلني أيضاً لمعرفة صلة القرابة بينهما!

سذج نحن، نعم، حين ظننا بكل براءة أنهما أخوة، فهما في النهاية مجرد زملاء في العمل!
ظللت مدة أحاول استيعاب الأمر، لماذا تحول السلام اليومي بين الزملاء لحضن وقبلات؟! وكيف ومتى؟؟

لم تكن هي وحدها من قامت بهذا -كما ظننت أو كما وهمني البعض بأن ثقافة بلادها وعاداتهم تسمح وتؤيد بوجود الحضن بين الجنسين!
فهذه أخرى أقابلها ونتكلم سوياً ثم نقابل صدفة ونحن نسير رجلاً تعرفه، طلبت مني بصوت خافت أن نقف لتسلم عليه، ثم تقدمت بخطوات سريعة نحوه وحضنته حضناً ذكَّرني بحضني لأبي عندما كان يعود من السفر !!

عندما يتحول الشوق والحنين داخلي وُيترجم في هيئة عناق قوي وطويل، هكذا فعلت هي بالضبط!
تسمّرت في مكاني وشعرت بخنقه داخلي، وسألت نفسي: ما الذي جرى؟!

تزامنت تلك الفترة مع موجة خلع الحجاب التي انتشرت في دوائر قريبة مني، لذا علا السؤال داخلي، تُرى هل أصبح الحضن بين الرجل والمرأة محل خلاف أيضاً كالحجاب؟!

أم أنها فترة التفكير وإعمال العقل في أمور ديننا وفي النصوص القرآنية التي طالما سرنا على خطاها؟
فالحضن يا سادة لم ُيذكر نص صريح عنه في الكتاب أو السنة يحرمه، إذن فهو جائز شرعاً!!

أصبح هذا الموضوع يلاحقني أينما ذهبت وكأنه هو من يدفعني لمعرفة السر وحل اللغز!!
ففي جلسة تضم بعض الصديقات، ومع تبادل الحديث حول أمور الحياة المختلفة، تطرقت إحداهن إلى ظاهرة التحرر بين أوساط الملتزمين في بعض المعاملات، وذكرت طريقة السلام بين الرجل والمرأة كمثال، "شوفتوا فلانة، بتسلم بإيديها عادي على الرجالة لما تقابلهم!!"
قاطعتها أخرى قائلة: "أمال لو شوفتي فلانة وهي بتحضن الرجالة وتبوسهم ع الخد هتعملي إيه؟!!"
"بصراحة الحضن ده حاجة حلوة وفظيعة" هكذا صرحت ثالثة وقد علت الابتسامة وجهها.
أما أنا فلزمت الصمت، فحقاً لا أعلم ماذا أقول!

ولأن بناتي كثيراً ما يخجلن من عناق أصدقاء زوجي، اعترضت زميلتي على ذلك قائلة: "سبيهم يحضنوا ويتعوّدوا بدل ما يكبروا مقفلين كده!!"

وحتى هذه اللحظة لم أتمكن من فك شفرة (الحضن)، ومع احترامي لهؤلاء الذين يدافعون عنه كصورة من صور التحرر وعدم التزمت والتقوقع في دائرة الالتزام التي لا مخرج منها، سيصبح الحضن بالنسبة لي نسمة الهواء التي ُتبقينا أحياء، ولكن ليس على المشاع وله قدسيته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد