هربت من الفقر والذل إلى الرياضة.. الهندية ديبيكا تحكي كيف أصبحت أفضل رامية سهام في العالم؟

كان يوماً غريباً، وكنت في السابعة عشرة من عمري، غير مدركة لتأثير إنجازاتي، عندما علمت بأنني رامية السهام الأولى الجديدة على مستوى العالم. الأفضل على مستوى العالم؟ أنا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/10 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/10 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش

كان يوماً غريباً، وكنت في السابعة عشرة من عمري، غير مدركة لتأثير إنجازاتي، عندما علمت بأنني رامية السهام الأولى الجديدة على مستوى العالم. الأفضل على مستوى العالم؟ أنا؟

بدأتُ ممارسة الرماية قبل أربعة أعوام فقط، وكانت أشبه بوسيلة للهروب من الفقر، بدلاً من حب اللعبة. بصراحة، لم أكن أعرف من الأصل ما هي الرماية، لكنني بدأت أحبها سريعاً. وبمجرد أن أدركت أنني أتمتع بموهبة طبيعية في اللعبة، أصبحت مهووسة بها، وكنت ألعب لأنني أحببتها، وليس من أجل الفوز. ولكن دفعتني العاطفة البحتة والمتعة والسذاجة بطريقة أو بأخرى نحو فورة من الانتصار، لم أتفهمها ولم أكن مستعدة لها.

وخلال أربع سنوات، تحوَّلت حياتي من الأسى إلى النجاح. فمتى حدث كل هذا؟ اسمحوا لي أن أعود بكم إلى الوراء…

وُلِدت في قرية راتو، الواقعة على جانب طريق في جهار خاند، ثاني أفقر ولاية في الهند. كان والدي يجر عربة، وكانت والدتي تعمل ممرضة بأحد المستشفيات الحكومية، لكنها لم تحصل أبداً على راتبها في الوقت المحدد. كما كانت إحدى النساء القلائل اللاتي عملن في قريتي. كانت النساء في القرية تخرج من المدرسة في سن مبكرة، وأُجبرت زميلاتي على الزواج المُدبر في سن المراهقة. وأيّد عمي مُثُلاً مشابهة، وكثيراً ما ضرب أمي لكونها امرأة عاملة. وتعاملت أمي مع الأمر بهدوء، وتأكدت من أن ابنتها تُعامل بشكل مختلف.

كان وضعنا المالي متدهوراً. ورغم الكفاح من أجل تلبية احتياجاتنا، لم يكن لدينا في الغالب ما يكفي من الطعام كي نلتف حوله. ولتخفيف العبء عن والديّ المحبوبين وشقيقي، فضلت مغادرة المنزل. كنت في الثانية عشرة.

سمعت بشأن أكاديمية تدعمها الحكومة تؤمّن للفتيات وجبةً واحدةً في اليوم، وسقفاً فوق رؤوسهن، والأهم من ذلك أن هذا كله مجاناً. كان والدي معارضاً بشدة لممارسة الفتيات للرياضة، ولكي أكون منصفة ليس هناك أي أمثلة في قريتي وفي العادة كانت الفتيات يساعدن ببساطة في أرجاء المنزل، يطبخن وينظفن. كان "اللعب" للأولاد فقط. وأخيراً بعد الكثير من الدموع، وافق على السماح لي بالالتحاق بهذه الأكاديمية.

وهناك سلَّموني قوساً وسهماً من الخيزران. لم أمسك بواحد قط ولم أكن أعرف كيفية التصويب أو الإطلاق. وغني عن القول، إنني فشلت فشلاً ذريعاً ورفضوني! كنت محطمة، وتوسلت إليهم كي يمنحوني فترة سماح تمتد لثلاثة أشهر، وإذا لم أتحسن فسيعيدونني إلى المنزل مرة أخرى. وبدأت حياتي بالفعل في اليوم الذي أقنعت فيه الأكاديمية بإعطائي فرصة أخرى، على الرغم من افتقاري إلى المعرفة والمهارات. فكانت بمثابة بداية رحلة مستمرة حظيت فيها بقسط عادل من الإيجابيات والسلبيات.

أين كنت؟ "أوه" نعم، الأولى على مستوى العالم في سن السابعة عشرة. إن قطار حياتي الدوار حتى الآن كان على وشك اتخاذ منعطف مزعج. لم أكن معروفة لسنوات، وفجأة أصبحت محببة لدى وسائل الإعلام الهندية. وكانت المقالات والجوائز والإشادات بإنجازاتي مهيمنة على الساحة. ولكن كانت وسائل الإعلام موهوبة بالفعل في وضع الضغوط على أكتافي عديمة الخبرة. أخبروني أن أي شيء أقل من الميدالية الذهبية في أوليمبياد لندن عام 2012 سيكون مخيباً للآمال، كانت أمامي آمال وأحلام مليار شخص أهدف إلى تحقيقها.

ففي دولة يُقال فيها للفتيات إن مكانهن في المطبخ، غيّرت وجهة النظر هذه بطريقتي البسيطة الخاصة.

كنت من قرية صغيرة، وبالكاد تعلمت ما تدور حوله الألعاب الأوليمبية، وهنا قيل لي إنني سأخذل الأمة إن لم أبل بلاءً حسناً. ومن غير استعداد وبدون مدرب عقلي يساعدني على تهيئة عقلي، اختنقت. كنت في السابعة عشرة، وجلبت الفشل وخيبة الأمل للدولة. كان أسوأ يوم في حياتي، فقدت الأمل، وأردت الانسحاب، ودخلت في حالة من الاكتئاب العميق، توقفت عن الإيمان بنفسي، ولم أرغب بالتقاط قوسي، كما فقدت المتعة المحضة تجاه اللعبة في وسط الضغوط.

وفجأة بدأ الأمر يتغير برمته، كل شيء. في الأكاديمية، التقيت فتيات تتراوح أعمارهن بين 12 و13 عاماً، التحقن بها، وبدأن ممارسة الرماية بسبب قصتي. وبسماع أنني كنت أدعم أسرتي مادياً شجَّعهم الأمر على إرسال أطفالهم لممارسة الألعاب الرياضية، وعدم التمسك بما هو آمن ومألوف. كنت مصدر إلهام لهم، إن كوني قدوة كان من الأشياء التي لم أتصورها عن نفسي أبداً، وعند هذه النقطة قالت الفتيات إنهن يُرِدن أن يُصبحن مثلي. حفزتهن كي يصنعن حلماً كبيراً، ويسعين ويطمحن لتحقيق المستحيل.

وقالت إحدى صديقاتي إن قصة حياتي إذا ألهمت ولو فتاة واحدة في الهند، فهي حياة تستحق. ولدي صديقات الطفولة ممن يهاتفنني وهن يبكين، إذْ إنهن عالقات في المنزل، وتزوجن ولديهن أطفال ويشعرن بعدم القيمة، نظراً لأن أقاربهن لم يسمحوا لهن بالعمل. ويردن أن أساعدهن… أعلم أنني قد لا أكون قادرة على إنقاذهن من أوضاعهن، لكن يمكنني مساعدة الجيل القادم من خلال عدم الاستسلام والعودة إلى اللعبة.

"السيدات أولاً"- مصطلح لم أفهمه بالكامل بعد. نستخدمه في سياقات كثيرة، ومع ذلك، فإننا لا نستخدمه أبداً عندما يكون الأمر مهماً للغاية.

فلا نستخدمه مطلقاً عندما يتعلق الأمر بالنساء في مكان العمل أو النساء المشاركات في الألعاب الرياضية، أو النساء في المناطق التقليدية التي يهيمن عليها الذكور. كما نستخدمه بشكل صحيح في الأمور الدنيوية، ويرجع الوقت إلينا في استخدامه عندما تكون الحاجة إليه ماسة. فقد حان الوقت كي تحتل السيدات المراكز الأولى.

كنت فتاة صغيرة تحلم يوماً ما باستقلال طائرة، لقد حققت هذا الحلم وسافرت حول العالم. وفي الوقت الحالي، لدي أحلام أكبر تتمثل في أن أُصبح أول امرأة هندية تفوز بميدالية ذهبية أولمبية! وأديت بشكل أفضل في ريو 2016، وأعمل على الفوز في طوكيو 2020. علمتني الرياضة درساً مهماً في الحياة، وهو عدم الاستسلام مطلقاً والاستمرار في المقاومة مهما كان الأمر. كما يمكن لذلك أن يلهمنا الثقة، وتقدير الذات، وبناء الفريق، والتحمل، والمساواة بين الجنسين. والأهم في ذلك، يتمثل هدفي في تغيير وجه الرياضة النسائية في الهند. إن التغيير الذي وصلنا إليه الآن يجعل من المستحيل أن نعود إلى العقليات العتيقة في الماضي والحاضر.

– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد