أبطال الديجيتال

لا شكَّ في أن الذاكرة رجعت بكم مباشرة إلى حلقات الأنيمي الياباني المشهور "أبطال الديجيتال" الذي رافقنا فترة مهمة بطفولتنا؛ حيث يحكي قصة ثمانية أبطال تم اقتيادهم إلى عالم موازٍ يدعى بـ"الرقمي" أثناء اصطيافهم بمخيم صيفي؛ حيث رسم المؤلف سيناريو إنقاذ العالم الرقمي والحقيقي على أيديهم، من قُوى الشر المختلفة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/10 الساعة 04:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/10 الساعة 04:03 بتوقيت غرينتش

لا شكَّ في أن الذاكرة رجعت بكم مباشرة إلى حلقات الأنيمي الياباني المشهور "أبطال الديجيتال" الذي رافقنا فترة مهمة بطفولتنا؛ حيث يحكي قصة ثمانية أبطال تم اقتيادهم إلى عالم موازٍ يدعى بـ"الرقمي" أثناء اصطيافهم بمخيم صيفي؛ حيث رسم المؤلف سيناريو إنقاذ العالم الرقمي والحقيقي على أيديهم، من قُوى الشر المختلفة.

وأنا أتذكر تفاصيل الحلقات التي تابعناها بشغف، بدأت أراقب "عالم الديجيتال" الذي بِتنا نعيشه اليوم باختلاف فضاءاته من شبكات التواصل الاجتماعي إلى مختلف التكنولوجيات الحديثة والرقمية، والذي يصاحب حياتنا اليومية بمختلف تفاصيلها الدقيقة، مهما اختلفت الأعمار والاهتمامات، هناك مكان ستجد فيه الجميع، أو لنقُل جل الناس، يُدعى بالعالم الافتراضي أو الرقمي إن صحَّ التعبير.

ثورة مجتمعية

إن العالم الرقمي ساهم كفاعل أساسي ومحفّز كبير في كل الثورات العربية التي قامت بها الشعوب طلباً للحرية والعدالة والكرامة الاجتماعية؛ حيث جمعت وسائل التواصل الاجتماعي الآلاف من المواطنين حول أهداف مشتركة يناضلون من أجلها ويطالبون بتحقيقها، وهنا نعود إلى أبرز حدث يصم هذا القرن، ألا وهو بداية الثورة بتونس؛ حيث يمكن الإشارة إلى أهمية الدور الذي قامت بها هذه الفضاءات سنة 2011 من أجل تنظيم مُحكَم لعملية الخروج إلى الشارع والاحتجاج عبر مجموعات فيسبوكية مغلقة، صفحات عامة وتواصل مستمر..هذه الفضاءات التي سمحت بانطلاق "الديمقراطية الرقمية"؛ حيث أتيح لأفراد المجتمع مساحات شاسعة للتداول والنقاش حول مواضيع مختلفة، أبرزها الشأن العام والسياسي، وتقييم الحكام والسياسيين، وانتقاد كل تهاوُن أو تقصير.

ثورة اقتصادية

أحدث الاهتمام المتزايد لسكان العالم بشبكات التواصل الاجتماعي والفضاءات الرقمية، ثورة اقتصادية في قطاعات مختلفة، على سبيل المثال النجاح الباهر الذي حققه موقع "Amazon" و"Alibaba" والعديد من الأفكار والشركات العالمية والوطنية، والتي ركزت جهودها في تطوير "سوق إلكترونية" مفتوحة تجاه كافة قارات العالم، تعتمد على "الدفع الإلكتروني" و"التسويق الإلكتروني" للمنتجات والعروض.. كذلك التحول البارز الذي تعيشه الماركات والشركات العالمية، في انتقالها من التسويق والإشهار التقليدي، إلى الاهتمام أكثر وأكبر بوسائل التواصل الاجتماعي، من أجل جلب الانتباه تجاه البضائع والخدمات، وهذا ما وفّرته هذه الفضاءات ببيع اهتمامات مستعمليها إلى "تجار الويب"، عن طريق ما بات يُعرف بـ"ديجيتال أدس"، فيما أصبح الحديث اليوم عن "الذكاء الاصطناعي" و"big data" و"البيتكوين" بدل المصطلحات والتعابير التي عايشها الاقتصاديون لفترة طويلة.

ثورات الإعلام الجديد

لا يمكن أن يخفى على كل متابع لتاريخ الإعلام التقليدي، الضوابط والمحددات التي كانت تطبعه من جانب الشكل والمضمون، والتبعية التي كان يتميز بها للدولة أو لرؤوس الأموال، رغم أن هاتين المحددتين لم يختفيا عن الإعلام الجديد، لكننا أصبحنا نتحدث عن حرية أكبر داخل "العالم الرقمي" في إنتاج الخبر والمعلومة من مواقع إخبارية أضافت الوسائل التقنية إلى عالم صناعة الخبر، ثم تحول بعد ذلك إلى "إعلام اجتماعي" داخل فضاءات ومنصات التواصل الرقمي؛ حيث ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في بزوغ فجر شكل جديد من الإعلام تم إطلاق "الصحافة المواطنة" أو "السلطة الخامسة" كاسم عليه، بحيث بات للمواطن والمستعمل القدرة على خلق الحدث عبر "التدوين" داخل هذه المنصات، وتحول من منطق "المونولوغ" حيث يستهلك المعلومة فقط من جهات ومؤسسات إعلامية رسمية، إلى منطق "الحوار" بتفاعله مع الأخبار والأحداث والتأثير في مسار قضايا وملفات، وأصبح بقدرته أن ينتج وصلات فيديو وأخباراً ودعاية يستطيع من خلالها حشد جمهور واسع يؤثر به على الرأي العام بدون الحديث عن الدوافع والأبعاد، سواء كانت سلبية أم إيجابية.

أبطال الديجيتال

في ظل ما أشرت إليه سابقاً، من علامات تأثير العالم الرقمي في حياة المجتمع بكل بقاع العالم، وبالدول العربية على الخصوص، أصبح الحديث عن "المؤثرين" داخل "عالم الديجيتال" من الأساسيات والضروريات، حيث مكنت هذه المنصات بعض الأفراد من قوة كبيرة في التأثير وإنتاج أفكار وقضايا، مهما تحدثنا عن إيجابياتها لا يمكن أن يخفى على المتتبع سلبياتها، من صناعة الأخبار الزائفة إلى بزوغ نجم أشخاص ومحتوى يمكن أن نصفه بـ"التفاهة"؛ حيث بات يؤثر على مجرى الأحداث بسرعة خيالية، وهنا تحضرني المقولة الشهيرة التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي: "stop making stupid people famous".

إن السلبية التي يمكن أن نقتفي أثرها في المجتمع الرقمي لا يمكن أن تكون إلا امتداداً لأرض الواقع، فالمجتمعات والدول التي اشتغلت بجد على تطوير وعي مواطنيها، يقل فيها انتشار التفاهة ويكثر فيها الإنتاج المعرفي والعلمي، وهذا ما قد يفتقده الآن العالم العربي، رغم المحاولات الكثيرة التي يقوم بها الأفراد في صناعة محتوى هادف أو في التأثير في قضايا مصيرية ومهمة سياسية واقتصادية.

إن الحاجة اليوم أكثر مما سبق إلى العمل بقوة على إنتاج ودعم أبطال داخل فضاءات التواصل الاجتماعي، أبطال بانخراطهم المستمر بمجتمعاتهم من أجل التغيير والنهضة، أبطال بتأثيرهم اليومي في صناعة ثورات اقتصادية داخل الدول العربية كمثيلاتها من الدول، أبطال في إنتاج محتوى رقمي هادف يُنهي ويقطع مع الأمية ويطور مهارة الفرد والمجتمع، إن حاجتنا اليوم أكثر مما سبق إلى أبطال الديجيتال.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد