ما لا يعرفه كثيرون أن الصحراء التي تمتد عبر بلاد الشرق الأوسط (الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا وصحراء شبه الجزيرة العربية) والتي تخلو من مظاهر الحياة والأحياء، ويَعُدُّها الجميعُ رمزاً للقفر والجدب -أن تلك الصحراء- تحمل كنزاً استراتيجياً عظيماً لبلادنا!
وأن هذا الكنز من شأنه أن يجلب لأبنائنا عدة تريليونات من الدولارات، إذا أُحسِنَ استغلالُه، وإذا تمَّ البدءُ الفوري في تطويعه والاستفادة منه، فهو الكنز الذي يعد مستقبلاً للطاقة في هذه المنطقة من العالم، خاصة بعد النضوب المنتظر للبترول والغاز الطبيعي خلال الخمسين إلى السبعين عاماً على الأكثر!
إنه الكنز الشمسي؛ حيث تتسم تلك الصحراء بأكبر عدد من ساعات سطوع الشمس في العالم، والدراسات كلها تشير إلى أن مصر والجزائر (تحديداً) سوف يكون بمقدورهما إمداد القارة الأوروبية بما يفوق ربع احتياجاتها السنوية من الكهرباء خلال الخمسين عاماً القادمة، وذلك من خلال إقامة محطات توليد الكهرباء من طاقة الشمس، وتصديرها للقارة الأوروبية العجوز باستخدام الكوابل الكهربائية الضخمة التي يمكن مدها تحت أعماق البحر الأبيض المتوسط.
ليس هذا فحسب، ولكن إذا وضعنا في الاعتبار أن الكوارث الطبيعية تمثل تهديداً كبيراً للمحطات الشمسية، فإن بلادنا تملك مستقبلاً مزدهراً نظراً لبعدها تماماً عن أخطار الفيضانات والأعاصير والزلازل التي ضربت محطات في دول أخرى (في عام 2017 ضرب إعصار ماريا عدداً من محطات الطاقة الشمسية في بورتوريكو مما نتج عنه خسائر قدرت بمليارات الدولارات).
لقد تنبّهت الدول الصناعية الكبرى لأهمية الطاقة الشمسية، باعتبارها طاقة نظيفة لا تسبب التلوث البيئي، فضلاً عن كونها طاقة متجددة لا تنضب، ولقد كان لألمانيا قصب السبق في إنشاء المحطات الشمسية وسنّ القوانين للاستفادة القصوى من طاقة الشمس، وتؤكد الأرقام أن ألمانيا تنتج بمفردها 45% من الكهرباء الشمسية المنتجة في العالم بأسره، على الرغم من أن ساعات سطوع الشمس في ألمانيا لا تزيد في المتوسط على 1200 ساعة سنوياً، فهي دولة شأنها كسائر دول أوروبا تتميز بالطقس الغائم الممطر معظم فصول السنة، بل ومن المعلوم أن المواطنين الألمان يفرون من هذا الطقس الغائم؛ ليستمتعوا ببعض لحظات الاستجمام في دولنا التي تحظى بسطوع دائم للشمس.
وتنتج ألمانيا ما يزيد حالياً على 5% من احتياجاتها من الكهرباء، باستخدام المحطات الشمسية، فلو أخذنا في الاعتبار أن ألمانيا تستهلك سنوياً (بصفتها من أكبر الدول الصناعية في العالم) ما يزيد على 800 غيغاوات من الكهرباء، فإن هذا يعني أن مسألة الطاقة الشمسية ليست مسألة ترفيه أو ترفيهية كما يظن بعضنا! بل هي مشروع استراتيجي ينبغي أن تضع الحكومات العربية خطة متكاملة للاستفادة منه، والاستثمار فيه خلال السنوات العشر القادمة.
والأرقام تشير إلى أن احتياجات مصر من الكهرباء سوف تصل بنهاية العام الحالي إلى ما يزيد على 40 غيغاوات، وبحسبة بسيطة: فإن ما تنتجه دولة مثل ألمانيا باستخدام المحطات الشمسية يعادل كل ما تستهلكه مصر من الكهرباء سنوياً! وهو ما يتم توليده باستخدام السد العالي، فضلاً عن عشرات المحطات التي تعمل بالوقود الأحفوري كالغاز الطبيعي والمازوت، بالإضافة إلى محطتين (فقط) تعملان بطاقة الرياح.
فإذا أخذنا في اعتبارنا أن متوسط ساعات سطوع الشمس في مصر يقترب من ثلاثة أضعاف نفس المتوسط في ألمانيا (2900-3200 ساعة سطوع شمس سنوياً وفق أطلس الطاقة الشمسية)، فضلاً عن كون ساعة السطوع الواحدة في مصر تعادل 3 ساعات من مثيلاتها في ألمانيا، فإننا لو تمكنّا من إنشاء عدد من المحطات الشمسية يقارب عُشْرَ ما أنشأته ألمانيا، فإننا سوف ننجح في تغطية كل احتياجاتنا من الكهرباء من طاقة الشمس!
وسوف ننجح في توفير مليارات الدولارات التي تنفق على إنشاء وصيانة المحطات التي تستخدم المحروقات، فضلاً عن توفير مليارات أخرى تُهدَر لإمداد تلك المحطات بالمنتجات البترولية اللازمة لتشغيلها.
ولقد تنبّهت دولة الإمارات العربية المتحدة لأهمية هذه الطاقة، فقامت منذ عام 2006 بتمويل أبحاث علمية في جامعتي بوسطن وواشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، بهدف تطوير تكنولوجيا تصنيع الألواح الشمسية التي تحول الطاقة الشمسية لطاقة كهربائية، حتى يتمكن الباحثون بمعاونة الصناع من تصنيع ألواح تقلّ في مساحتها وتزيد في كفاءتها عن الألواح المستخدمة حالياً في المحطات الشمسية الممتدة عبر دول العالم.
ومَن يعرف تاريخ تصنيع الكمبيوتر، يدرك أن أول جهاز كمبيوتر كان ضخماً جداً بحيث يشغل مساحة غرفة كبيرة، وبطيئاً جداً فيما يتعلق بالعمليات الحسابية والمنطقية، وبمرور الوقت تطور الكمبيوتر فصغر حجمه وزادت سرعته وكفاءته، ولقد صار لزاماً على دولنا العربية أن تكون في مصافّ الدول المعنية بتمويل البحث العلمي في مجال تطوير ألواح الطاقة الشمسية.
أما الدول العشر الأكثر إنتاجاً للكهرباء من طاقة الشمس في العالم (ليس من بينها دولة عربية واحدة) فتأتي الصين على رأسها (139 ميغاوات) ثم الولايات المتحدة الأميركية (85 ميغاوات) ثم اليابان (63 ميغاوات) ثم الهند (57 ميغاوات) ثم ألمانيا (48 ميغاوات) ثم إيطاليا (22 ميغاوات) ثم المملكة المتحدة (14 ميغاوات) ثم فرنسا (13 ميغاوات) ثم أستراليا (12 ميغاوات) ثم باكستان (10 ميغاوات).
السؤال الذي ربما يسأله البعض: لماذا يُحجم إذن أصحابُ الأعمال عن تبنّي مشروعات الطاقة الشمسية؟
والجواب على هذا السؤال ببساطة: لأن هذه النوعية من المشروعات تحتاج إلى أموال طائلة (عدة مليارات من الدولارات) كما أن فترة الاسترداد (Payback period) (الفترة اللازمة لاستعادة رأس المال) طويلة جداً (قد تصل إلى ثلاثين سنة).
وأكثر أصحاب المال والأعمال معنيون -بكل أسف- بالاستثمارات سريعة الربح – قصيرة الأجل!
ولهذا أقول: قد صار لزاماً على الشعوب العربية أن تتنبه إلى أهمية طاقة الشمس، وذلك بعد أن نفضت الحكومات وأصحاب المال والأعمال أيديهم من هذا الكنز الاستراتيجي الذي تتمتع به أمتنا.
وعلى الحالمين بمستقبل أفضل لأمّتنا أن يشرعوا فوراً في تأسيس وإدارة الشركات والمحافظ المالية بحيث يكتتب فيها الأفراد أو المؤسسات من المهمومين بترك ثروة للأجيال القادمة.
فما دام بعضُنا يحرصُ على ترك قطعة أرض في مكانٍ ناءٍ لأبنائه على أمل أن يمتدّ لها العمران، فتتحول إلى ثروة ينتفع بها الأبناء بعد وفاة والدهم، فلو شارك أمثال هؤلاء في بناء محطات الطاقة الشمسية، لتركوا لأبنائهم وأمّتهم ثروة حقيقية ربما تُسهم في تغيير واقع أمّتنا البئيس ولو بعد حين!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.